تداعيات حرب الشرق الأوسط التي بدأت تلوح نذرها في العلن وتأثير مجرياتها على حرب السودان العبثية

✍🏻المستشار/مهيد شبارقة
من خلال ماهو متاح للعلن من اخبار فالشرق الأوسط على فوهة بركان والسودان في عين العاصفة…!!!
فبينما ينشغل العالم بتسارع الأحداث في غزة ولبنان وإيران وبينما تستعرض إسرائيل والولايات المتحدة عضلاتهما العسكرية في الإقليم تدق طبول حرب إقليمية قد تنفجر في أي لحظة فالحرب القادمة وإن لم تعلن رسمياً بعد فقد باتت ملامحها أوضح من أي وقت مضى بدءاً من الاشتباكات المستمرة على جبهات متعددة مروراً بالتصعيد الدبلوماسي والتهديدات العسكرية وليس انتهاء بإعادة تشكيل التحالفات الجيوسياسية في المنطقةوفي غمرة هذا الاحتقان يبرز السودان كأحد أكثر الدول هشاشة وتأثراً بالمتغيرات الإقليمية خاصة وأنه يخوض حربا داخلية عبثية منذ أكثر من عامين بين الجيش السوداني والكتائب التي تحارب معه ومليشيا الدعم السريع في مشهد لا يكاد يجد فيه المواطن السوداني مساحة للتنفس أو الأمل
#فكيف تؤثر نذر حرب الشرق الأوسط القادمة على هذه الحرب السودانية؟
#وهل سيكون السودان ساحة خلفية جديدة لصراع المصالح الكبرى..؟ #أم أنه سيُترك لينزف في صمت…؟
أولاً: خارطة التوتر في الشرق الأوسط:
ترى هل نحن على مشارف انفجار شامل..؟
حيث تشير التطورات الأخيرة في المنطقة إلى تصاعد غير مسبوق في التوتر بين عدة أطراف:
أ/الضفة وغزة:
فالحرب الإسرائيلية المستمرة منذ أكتوبر 2023 خلفت آلاف القتلى والجرحى وأعادت الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى صدارة المشهد العالمي والتهديد بعملية عسكرية في جنوب لبنان يزيد من احتمالات التوسع فإيران وإسرائيل تبادل الضربات بالطائرات المسيرة والاغتيالات المتبادلة في الداخل الإيراني والسوري تنذر بانزلاق مباشر نحو مواجهة مفتوحة.
ب/التحالفات الجديدة: محور المقاومة (إيران حزب الله الحوثيون، وحماس) يعيد ترتيب أوراقه إقليمياً وفي المقابل تصاعد التنسيق الأمريكي الإسرائيلي العربي في مجالات الأمن والتكنولوجيا العسكرية يؤسس لمعادلة ردع مزدوجة.
ج/المشهد العربي المتوتر: لبنان سوريا العراق، اليمن وليبيا يعيشون على وقع توترات داخلية وخارجية مما يجعل من احتمالية تصاعد الحرب إلى /حرب إقليمية كبرى أمراً وارداً أكثر من أي وقت مضى.
ثانياً: السودان وسط الإعصار.. هل هو ساحة تلاق أم ضحية هامشية..؟
في هذا السياق تبرز خصوصية السودان لعدة أسباب:
١/الهشاشة الأمنية والاستراتيجية:
فالسودان بلد مترامي الأطراف بحدود طويلة مع دول ذات حساسية جيوسياسية (مصر/ إثيوبيا/ ليبيا/تشاد/ /أفريقيا الوسطى/إريتريا، و/جنوب السودان) ومع وجود فراغ سلطة فعلي وانقسام المؤسسة العسكريةيصبح السودان بيئة خصبة لاختراق القوى الإقليمية والدولية.
٢/الموقع الجغرافي الحرج: يشكل البحر الأحمر مسرحاً ساخناً للمنافسة بين القوى الكبرى والسودان يقع في قلب هذه الرقعة فالحرب الإسرائيلية الحوثية مثلاً بات لها تأثير مباشر على ميناء بورتسودان وهو ما يزيد من احتمالات التورط غير المباشر.
٣/التحالفات الخارجية للفرقاء السودانيين:
#فالجيش السوداني مثلا يحظى بدعم مصري ضمني وخليجي معلن في بعض الأحيان إضافة إلى تفاهمات غربية غير مباشرة…!!!
#قوات الدعم السريع تربطها شبكات مالية معقدة تمتد إلى ليبيا وتشاد والإمارات وتتهم بأنها على تواصل مع مجموعات من المرتزقة وبعض الشركات الأمنية العابرة للحدود…!!!
وفي ظل هذا الواقع فإن أي تصعيد إقليمي ستكون له ارتدادات مباشرة على تموضع هذه الأطراف وداعميهم.
ثالثاً: من التأثيرات المرتقبة على السودان:
١/عسكرة البحر الأحمر وإغلاق كافة المسارات التجاريةإذا ما تطورت الحرب إلى مواجهة بحرية بين إيران أو الحوثيين من جهة وأمريكا/إسرائيل من جهة أخرى فإن الموانئ السودانية على البحر الأحمر ستكون من أوائل المتضررين بإغلاق خطوط الإمداد والتجارة الخارجية مما يؤدي لشلل موانئ بورتسودان وسواكن الذي سيزيد من عزلة السودان الاقتصادية ويفاقم الأزمة الإنسانية الحالية.
٢/تراجع أولويات المجتمع الدولي تجاه السودان:
فانشغال القوى الكبرى بملف الشرق الأوسط قد يهمّش الوضع بالسودان أكثر مما هو عليه الآن فمع تزايد الحشد الإعلامي والسياسي حول إيران وغزة قد تجد القوى السودانية نفسها بلا وسطاء ولا ضغوط كافية لوقف الحرب…!!
٣/توظيف الحرب السودانية كورقة في النزاع الإقليمي:
هناك تخوف حقيقي من استخدام بعض الفاعلين الإقليميين للسودان كساحة تصفية حسابات فمثلاً، قد تستخدم مليشيا الدعم اللوجستي أو التمويلي لطرف معين في الحرب السودانية من قِبل قوى إقليمية كأداة للضغط على خصومها في الساحة الكبرى.
رابعاً: رهانات الأطراف السودانية في ظل حرب إقليمية وشيكة:
#الجيش السوداني:ربما يسعى الجيش إلى تعزيز صورته كطرف شرعي ومؤسسي أمام المجتمع الدولي ليحظى بدعم أمريكي أو غربي في إطار سياسة /احتواء الفوضى خصوصاً إذا ربطت قوات الدعم السريع بعلاقات مشبوهة مع أطراف تعتبرها واشنطن غير منضبطة في الشرق الأوسط.
#قوات الدعم السريع:
قد تحاول قوات الدعم تقديم نفسها كقوة محلية غير موجهة إيديولوجياً ولكنها فاعلة ومتمكنة أمنياً وتسعى لجذب دعم خليجي أو أفريقي مباشر مستغلة تراجع التركيز الدولي على القيم الديمقراطية في فترات الحروب الإقليمية…!!
#القوى المدنيةوسط كل هذا تزداد عزلة القوى المدنية التي قد تجد نفسها مضطرة للتحالف المؤقت مع أحد الطرفين أو طلب تدخل إقليمي يعيد ترتيب المشهد السياسي إلا أن المراهنة على تسويات إقليمية ستكون مغامرة محفوفة بالمخاطر.
خامساً: هل من فرصة للسلام في السودان في ظل نذر الحرب الإقليمية..؟فرغم ما يبدو من سوداوية المشهد فإن التصعيد الإقليمي قد يحمل فرصة للسودان في حال استخدم كأولوية لتجنب تفجير المزيد من الأزمات بمعنى أن الضغط على الأطراف السودانية قد يأتي كجزء من تسوية أوسع في المنطقة مثلما حدث في بعض المراحل من الحرب في اليمن لكن هذا يتطلب:
١/موقفاً سودانياً موحداً من القوى المدنيةيرفضون تحويل السودان إلى ساحة خلفية لأي طرف.
٢/مبادرة إقليمية حقيقية تقودها قوى أفريقية أو عربية محايدة (كالجزائر أو جنوب أفريقيا) لإعادة فرض إطار للحوار السوداني السوداني.
٣/دعم دولي منسق لا يغفل ملف السودان وسط دوامة غزة وطهران وبيروت.
شهادة محللين سياسيين: ١/د./خالد التيجاني النور محلل سياسي سوداني
يرى أن الحرب المحتملة بين إسرائيل ومحور المقاومة خصوصا إذا ما تورطت فيها إيران بشكل مباشر ستنعكس بآثار معقدة على المشهد السوداني ويوضح:
(إن انخراط أطراف إقليمية فاعلة في صراع الشرق الأوسط سيؤدي إلى تراجع أولوية الملف السوداني على جدول أعمال الدول الخليجية المؤثرة حيث انها ستعيد ترتيب أولوياتها الاستراتيجية ما قد يخفف من ضغطها على طرفي الحرب السودانية للجلوس لطاولة المفاوضات)
ويتابع محذرًا من سيناريو بديل: (إذا اختارت قوى إقليمية أن تستخدم الساحة السودانية كورقة مساومة أو ضغط فإننا سنشهد امتدادا للحرب بشكل غير مباشر عبر دعم لوجستي أو معلوماتي لأحد الطرفين وقد يصبح السودان جزءا من صراع المحاور المتفجر)
٢/شهادة: د/سمير عطا الله كاتب ومحلل سياسي لبناني يرى في مقال تحليلي نشرته صحيفة الشرق الأوسط مؤخرا أن (الشرق الأوسط اليوم يتحول إلى مسرح لتداخل الأزمات الكبرى ولم تعد الحروب قابلة للعزل جغرافيًا) ويضيف:
(السودان لا يقع فقط على هامش الجغرافيا العربية بل في قلب الممرات الحيوية أي حرب شاملة في المنطقة ستعيد رسم الخرائط والسودان قد يكون أحد ضحايا إعادة التشكل هذه سياسيا وأمنيا)
ويخلص إلى أن:
(الحرب السودانية رغم عبثيتها الظاهرة تخدم أطرافا تسعى إلى تفكيك الدول العربية الهشة من الداخل وحرب الشرق الأوسط قد تمنحها أدوات جديدة لذلك)
ممتاز، إليك شهادتين جديدتين كما طلبت: واحدة من محلل سياسي مصري، وأخرى من شخصية أممية ببعثة الأمم المتحدة في السودان (يونيتامس).
٣/شهادة: د/معتز عبد الفتاح /أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
في مداخلة تلفزيونية عبر قناة (إكسترا نيوز) المصرية تحدث فيها عن تداعيات حرب الشرق الأوسط المحتملة على محيطها الإفريقي وخاصة السودان مشيرا إلى أن:
(السودان دولة مترابطة مع الأمن القومي العربي وتقع ضمن دائرة التأثر المباشر إذا توسعت الحرب لتشمل مضيق باب المندب أو البحر الأحمر هذه المنطقة الآن أصبحت ساحة مفتوحة أمام الجماعات المسلحة المدعومة إقليميا وهو ما يعني أن الحرب في السودان قد تستثمر وتغذى كحرب بالوكالة عن صراع الشرق الأوسط).
ويضيف :
(القلق المصري يتضاعف ليس فقط من تمدد الحريق الي حدودنا الجنوبية بل من غياب أي سيناريو واضح للحل فالأطراف الدولية منشغلة والإقليم يعيد ترتيب أولوياته ما يجعل من السودان ساحة مهملة من حيث التسويات ومفتوحة من حيث الاحتراب)
٤/شهادة: فولكر بيرتس الرئيس السابق لبعثة يونيتامس (مقتطف من إحاطته الأخيرة لمجلس الأمن في 2023)رغم مغادرته منصبه في أواخر عام 2023 تبقى إحاطة فولكر بيرتس أمام مجلس الأمن واحدة من أبرز الإشارات الأممية بشأن تشابك الأزمات الإقليمية مع الوضع في السودان. اذ قال بيرتس:
(إن استمرار الحرب في السودان لا يمكن فصله عن المناخ الإقليمي المتوتر ولا سيما الصراعات بالوكالة الدائرة في الشرق الأوسط لقد بات السودان اليوم نقطة ارتكاز في التوازنات الجيوسياسية الجديدة بالإقليم خاصة مع تصاعد النشاط العسكري لالبحر الأحمر)
وتابع:(هناك قوى خارجية تدعم طرفي الصراع لأسباب لا علاقة لها بالسودان بل باعتبارات إقليمية أوسع وبدلًا من الدفع نحو الحل فإن تلك الحسابات توسع من أمد الحرب وتعقيداتها)
خاتمة:
السودان أمام مفترق طرق مصيري:
إذا اشتعلت نيران حرب الشرق الأوسط فإن لهيبها لن يقتصر على غزة وطهران وبيروت بل سيمتد إلى الخرطوم وبورتسودان ونيالا فالسودان لا يملك ترف الانتظار ولا رفاهية الحياد بل هو في حاجة ماسة إلى صحوة داخلية وتكتل سياسي مدني واسع يعيد ترتيب الأولويات الوطنية وحرب الشرق الأوسط القادمة قد تغيّر موازين المنطقة نعم لكنها إن تركت دون ضبط قد تجعل من السودان مجرد هامش على خريطة النفوذ أو محطة عبور للخراب القادم.