رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير.. أسامة صالح

الأعمدة

انقلاب السودان المشؤوم الذي أنتج الحرب: كيف نجح في تحويل الدولة إلى بوليسية قمعية بحتة؟

✍🏻 المستشار/مهيد شبارقة
منذ اللحظة التي دقت فيها ساعة فجر 25 أكتوبر 2021 كان السودانيون على موعد مع كارثة سياسية وأمنية أطاحت بأحلامهم في الانتقال الديمقراطي ووضعت السودان على سكة الحرب الأهلية والانهيار الشامل فانقلاب قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان لم يكن مجرد تغيير في السلطة بل كان ارتدادًا كاملاً إلى ما قبل الثورة ونجح خلال وقتٍ وجيز في إعادة تشكيل الدولة السودانية على النمط البوليسي القمعي مما مهّد الطريق للحرب الكارثية التي اندلعت في أبريل 2023.
أولاً: من الثورة إلى الارتداد:جاء الانقلاب بعد عامين من الثورة الشعبية التي أطاحت بالمخلوع وبعد سلسلة من محاولات الجيش لعزل المكون المدني لكنه في أكتوبر نجح تحت ذريعة /تصحيح المسار غير أن الوقائع أثبتت أن الهدف الحقيقي كان استعادة الجيش وأجهزته الأمنية سيطرتهم الكاملة على الدولة ومقدراتها فما إن تم الانقلاب حتى بدأ العسكر في تفكيك مكتسبات الثورة وتوسيع نفوذ الأجهزة الأمنية خاصة الاستخبارات العسكرية وجهاز المخابرات.
ثانيًا: عسكرة المجال العام: أعاد النظام الانقلابي في شهوره الأولى تكريس الهيمنة الأمنية على الشارع فتم فض التظاهرات السلمية بالقوة وجرى اعتقال العشرات من القيادات الثورية كما جُمدت لجان المقاومة وشوهت صورتها في الإعلام الرسمي في ذات الوقت منعت السلطات أي نشاط سياسي خارج المظلة العسكرية ما حوّل الحياة العامة إلى ساحة مغلقة لا صوت فيها يعلو فوق صوت العسكر
ثالثًا: أدوات الدولة البوليسية
عملت السلطة المنقلبة على إحياء أساليب نظام المخلوع في الحكم مستعينة ببقايا عناصره الأمنية والإدارية فتم تعيين ولاة موالين للعسكر وإعادة تمكين منسوبي النظام السابق في القضاء، والنيابة والإعلام. كما أُطلقت يد جهاز الأمن والمخابرات في مراقبة الناشطين لتنفيذ الاعتقالات التعسفية وتم التوسع في استخدام القوانين الفضفاضة كـتقويض النظام الدستوري و/الإخلال بالأمن القومي لقمع المعارضة.
#رابعًا: التموضع للاستبداد عبر التحالفات:
انفتح الانقلابيون على القوى التي كانت تُحسب على النظام السابق واستعانوا بها لتوفير غطاء اجتماعي وشعبي في مقابل تمكينها في مفاصل الدولة كما تم تفريغ الوثيقة الدستورية من مضمونها وتوظيف بعض القيادات القبلية والدينية في دعم المسار الانقلابي بما في ذلك إشعال النزاعات الأهلية في دارفور وكردفان والنيل الأزرق مما وفّر مبررا إضافيًا لتعزيز عسكرة الدولة.
#خامسًا: الطريق إلى الحرب: قادت سياسات الانقلاب إلى توسيع شقة الخلاف داخل المؤسسة العسكرية نفسها خاصة بين الجيش وقوات الدعم السريع التي رفضت أن يتم دمجها وفق شروط لا تراعي مكانتها فشلت كل المبادرات السياسية بسبب تعنت القيادة العسكرية وغياب الثقة بينها وبين القوى المدنية ومع تمدد الأزمة الاقتصادية وتدهور الخدمات وانعدام الأفق السياسي أصبحت الحرب حتمية فاندلاع الحرب في أبريل 2023 لم يكن حدثًا مفاجئًا بل كان نتيجة منطقية لانقلاب سحق الانتقال الديمقراطي، وقطع الطريق على الحلول السلمية ورسّخ ثقافة القمع والعنف كأداة للحكم.
#سادسًا: الحرب تعمّق للدولة البوليسية:
فما بعد اندلاع الحرب تحولت المؤسسات الأمنية والعسكرية إلى أدوات لفرض السيطرة المطلقة على ما تبقى من مؤسسات الدولة وتم قمع الأصوات الإعلامية المستقلة وإغلاق مراكز البحوث وملاحقة الصحفيين والناشطين في مناطق النزوح واللجوء بل إن الوضع تطور لحد إدارة مناطق النفوذ كجمهوريات قمعية منفصلة من قبل أطراف النزاع مما زاد من تعقيد المشهد.
#سابعًا: هل يمكن تفكيك الدولة البوليسية؟
تفكيك ما أنتجه الانقلاب من واقع بوليسي قمعي لا يمكن أن يتم عبر تسوية فوقية أو حلول خارجية. المطلوب عملية جذرية تستند إلى عدالة انتقالية حقيقية، وهيكلة شاملة للمؤسسات الأمنية ومحاسبة صارمة لكل من تلطخت يداه بالقمع والفساد. كذلك لا بد من إطلاق الحريات السياسية وتوفير بيئة مدنية آمنة تسمح للقوى الديمقراطية بالعمل دون وصاية.
#خاتمة:
بين الاستبداد والانفجار:
يؤكد انقلاب 25 أكتوبر أن كل انقلاب عسكري في السودان يُولد دولة قمعية لا تعرف إلا البطش والحرب ولايمكن أن تكون هناك دولة مستقرة دون كسر الحلقة الشريرة التي تبدأ بانقلاب وتنتهي بكارثة إنسانية لذا إن الاستثمار في الدولة المدنية الديمقراطية هو الضامن الوحيد للخروج من مأزق الدولة البوليسية ولبناء وطن يتسع للجميع دون عسف أو دكتاتورية اخرى

زر الذهاب إلى الأعلى