
العدوان الإسرائيلي على إيران يجب قراءته في إطار الأهداف الإستراتيجية لهذا الكيان العنصري المغتصب والمتمثلة في تصفية القضية الفلسطينية . وسيادة التفوق الاسرائيلي العسكري والاقتصادي والتكنولوجي والمعرفي في المنطقة. ودمجها وريادتها لمشروع الشرق الاوسط الجديد وترجيح معادلة القوى الإستراتيجية الشاملة على المدى البعيد لصالحها.
(2)
اتبعت إسرائيل لتحقيق أهدافها حزمة من التكتيكات التي زاوجت بين القوة الناعمة والصلبة ، منها تحييد الدول العربية المؤثرة عبر إبرام إتفاقيات مصالحة معها مثل اتفاقية كامب ديفيد مع مصر 1978م . ووادي عربة مع الأردن 1994م . وإتفاقيات ابراهام مع الامارات والبحرين والمغرب والسودان 2020م. ومارست كذلك سياسة الإنهاك والإضعاف للدول العربية والاسلامية بتغذية الصراعات الطائفية والعنصرية والجهوية في بنيتها الداخلية. وبناء جدار التعازل والانفصال بين الأنظمة العربية وشعوبها . وأيضا دعمت الحركات والجماعات القومية المتمردة والانفصالية في هذه الدول. وتمكنت من تدمير الجيوش القوية في المنطقة الجيش العراقي والسوري نموذجا. وأشعلت الحروب والفتن بين الدول العربية والاسلامية.
(3)
كذلك نجحت إسرائيل في اختزال القضية الفلسطينية في ثنائية الصراع الاسرائيلي الفلسطيني بدلا عن الصراع الثقافي والحضاري العربي الإسلامي /الإسرائيلي . وأججت الصراع الداخلي بين الفصائل الفلسطينية. وأشعلت الحروب ضد الفصائل الفلسطينية الاسلامية والوطنية. وثابرت بمكر ودهاء لمنع أي تداعي واصطفاف عربي/ إسلامي حول القضية الفلسطينية حيث ظلت إسرائيل تغذي ثنائية التناحر المذهبي بين السنة والسنة (الاخوان المسلمين في مقابل السلفية) . وثنائية الصراع الشيعي/ السني، بل أوهمت بعض زعماء المنطقة بأن إيران هي العدو الإستراتيجي للدول العربية وهي الخل الوفي الذي يجب التحالف معه من اجل تفكيك البرنامج النووي الايراني وتدمير قدراتها الصاروخية
كذلك نزعت إسرائيل لإحداث حالة من البينونة بين تركيا وبعض الدول العربية وذلك بتغذية الشعور القومي العربي ،وإيهام بعض القادة العرب بأن أردوغان ينزع الى تشييد إمبراطورية عثمانية في ثوب قشيب. كذلك تمكنت إسرائيل من اختراق دوائر صناعة القرار في أوربا وأمريكا للدعم السياسي والدبلوماسي المطلق ، وتمكينها من الدعم المالي والعسكري والتقني والمعرفي من أجل تحقيق سيادتها الشاملة في المنطقة.
(4)
إن العدوان الإسرائيلي على إيران يشكل علامة تاريخية فارقة ومخاض عسير لشرق أوسط جديد آخذ في التشكل بقوة، وانتصار إسرائيل في هذه الحرب سيغريها لتكرار ذات السيناريو في باكستان وتركيا ومصر والجزائر آخر القلاع العربية والاسلامية الحصينة والتي تمتلك عناصر القوة الشاملة المهددة لسيادة التفوق الإسرائيل في المنطقة.
ولكن ما هو مصير الدول الخليجية وفي طليعتها السعودية والامارات في خضم هذه المعركة المصيرية ؟؟
لا أستبعد مشاركة محمد بن زايد في التمويل المالي للعدوان الإسرائيلي على إيران وقطاع غزة، وتأييد محمد بن سلمان في الباطن بعد أن تمكنت في مخيلتهما سردية فوبيا إيران والإخوان المسلمين والتي نسجت منوالها إسرائيل، لذلك فإن العقل الاسرائيلي المخطط لهذه المعركة يرى أن هذه الإمارات والممالك المدجنة شعوبها بفقه المؤاكلة والمساقاة والإلهاء ،والخاضعة قيادتها للابتزاز المزدوج الأمريكي والإسرائيلي المال والبترول مقابل الحماية من إيران، ستستمر في التبعية والخضوع للمشروع الاسرائيلي حتى في حالة هزيمة البعبع الإيراني . وستتحول هذه التبعية في المدى البعيد إلى الوصاية الصهيونية الشاملة والتي ستتحكم في تحديد الملك والأمير وولي العهد فالعقل الصهيوني يدرك طبيعية هذه الأنظمة الملكية خاصة عند استفحالها وتآكل بنيتها الداخلية بسنن التقادم.
(5)
إن المشروع الإسرائيلي الإمبريالي العنصري يقف على تضاد مع قيم وثقافة المجتمعات العربية والاسلامية ويشكل المهدد الوجودي لهذه الدول على المدى البعيد، ولذلك فلا مناص من اصطفاف واحتشاد الدول العربية والإسلامية إلى جانب إيران قلم الحضارة الاسلامية ودعمها بالمال والسلاح واللوجستيات ووقف التطبيع والتهافت نحو إسرائيل وإعادة تصنيفها كعدو إستراتيجي للأمة العربية والاسلامية، والاستعداد للمواجهة الشاملة والحتمية معها. وأيضا على الدول العربية والاسلامية توظيف نفوذها الاقتصادي والمالي في أمريكا للضغط على الرئيس ترامب ليلعب دور الوسيط في إيقاف الحرب بين إيران واسرائيل بدلا عن الاصطفاف إلى جانبها . إن لم تصطفوا اليوم جماعيا لمناصرة إيران ستغزوكم غدا إسرائيل فرادى، دولة / دولة . إمارة/ إمارة. مملكة/ مملكة ، وعندها لن تجدي مقولة أكلت يوم أكل الثور الأبيض.
الجمعة: 2025/6/20