ماذا يعني سيطرة مليشيا الجنجويد على منطقة المثلث الحدودي وماهي تداعياتها على أمن وأمان الولايات الشمالية.

✍🏻المستشار/مهيد شبارقة.
المثلث الحدودي في عين العاصفة ثم ماذا…؟؟
تقع منطقة المثلث الحدودي بين السودان ومصر وليبيا وتعد من أكثر المناطق استراتيجيةً وحساسيةً في المشهد الجيوسياسي السوداني فتاريخيًا كانت هذه المنطقة ساحة صراعات بين التهريب والتجارة غير المشروعة لكنها اليوم أصبحت هدفا مباشرا لقوى المليشيات وعلى رأسها مليشيا الجنجويد (المعروفة حاليا بقوات الدعم السريع) والتي باتت بسطت سيطرتها ونفوذها عليها بشكل متزايد مؤخرا منذ اندلاع الحرب العبثية في السودان في أبريل 2023.
لكن السؤال الأهم هو:
#ما الذي يعنيه سقوط هذه المنطقة الحيوية في قبضة الجنجويد…؟ #وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على مدن الولايات الشمالية مثل /دنقلا و/حلفا و/مروي والتي كانت حتى وقت قريب خارج مرمى النيران المباشرة حتى اصبحت الان بين فكي الاسد..؟
#أولا: البعد الجغرافي والأمني للمثلث الحدودي:
حيث يمثل المثلث الحدودي نقطة التقاء نادرة بين ثلاث دول وتكمن أهميته في:
١/كونه بوابة خلفية غير محروسة من الدولة المركزية في بورسودان
٢/احتوائه على طرق صحراوية يسهل اختراقها واستخدامها للتهريب والسلاح.
٣/كونه نقطة عبور لعمليات الهجرة غير النظامية.
٤/قربه من منشآت تعدين ومعسكرات لقوى قبلية مسلحة.
٥/سيطرة مليشيا الجنجويد على هذه المنطقة تعني عمليا فتح بوابة جديدة لنفوذهم العابر للحدود وتهديدا مباشرًا للأمن الإقليمي شمال البلاد.
#ثانيًا: كيف تمت السيطرة على المثلث؟
من التكتيك العسكري إلى الصفقات القبلية فلا يمكن تحليل تمدد مليشيا الجنجويد نحو المثلث دون الإشارة إلى تفكك السلطة المركزية وضعف توسع الجيش السوداني في تغطية المناطق الطرفية بالإضافة لتحالفات قبلية محلية تم إبرامها من قادة المليشيا لتأمين النفوذ دون قتال مكلف وقد أشارت التقارير الاستخباراتية المحلية إلى أن قوات المليشيا عقدت تفاهمات مع مهربين ومجموعات قبلية محلية تعمل على تهريب البشر والسلاح والذهب مقابل ضمان حرية المرور والإمداد.
#ثالثًا: التداعيات الفورية على أمن الولايات الشمالية:
١/تهديد مباشر للطرق التجارية
٢/الطرق بين دنقلا وحلفا أصبحت عرضة لمخاطر كمائن أو فرض اتاوات من قبل قوات خارجة عن سيطرة الدولة.
٣/بدأت تظهر مؤشرات على موجو نزوح سكاني محدود من بعض المناطق الحدودية القريبة خوفا من تمدد المليشيا اليها.
٢/تسرب السلاح إلى الداخل.
فعمليات تهريب السلاح من ليبيا عبر المثلث الحدودي تسارعت بعد سيطرة الجنجويد عليه ما يهدد بتحويل بعض مناطق الشمال إلى /مخازن سلاح أو /نقاط انطلاق لمجموعات مسلحة.
٣/انهيار الثقة في الدولة:
فسكان الولايات الشمالية الذين عُرفوا بعلاقاتهم التاريخية مع السلطة المركزية بدؤوا يشعرون بالتخلي عنهم وسط صمت رسمي مطبق مما قد يشجع على حراكات قبلية مسلحة للدفاع الذاتي.
#رابعا: ماذا يعني ذلك سياسيا..؟
يبدو أن الجنجويد لا يكتفون بالانتشار في إقليم دارفور ووسط السودان بل يسعون الآن لتأمين نقاط استراتيجية على أطراف البلاد في سياق بناء مشروعهم الخاص والذي يتجاوز حدود المليشيا التقليدية
فإن السيطرة على المثلث الحدودي تمثل تحولا نوعيا في طبيعة الصراع السوداني حيث تنتقل الحرب من كونها نزاعا على الخرطوم إلى صراع من أجل المعابر والحدود والثروات كما أن تقاعس الجيش أو الدولة في استرداد المنطقة يفتح الباب أمام قوى دولية للتدخل غير المباشر عبر تغذية المليشيات بالسلاح أو المعلومات مقابل خدمات في تهريب البشر أو الذهب.
#خامسًا: التحدي الأكبر هو هل الشمال السوداني جاهز لاي هجوم جنجويدي..؟
وفي ظل هذا التصاعد تواجه الولايات الشمالية تحديات معقدة مثل :
هل تمتلك البنية الأمنية المحلية القدرة على رصد وتحجيم نشاط المليشيا..؟
٢/كيف ستتصرف الإدارة الأهلية في الشمال..؟
٣/وهل ستنحاز للدولة المركزية أم ستبحث عن تفاهمات مع القوى المسيطرة على الأرض..؟
٤/وما مصير الثروات المعدنية في المناطق الحدودية مثل /جبل عوينات..؟
٥/وهل ستقع هي الأخرى في قبضة الجنجويد…؟
#ختامًا: صرخة اعتراف لا أحد آمن بعد اليوم
بصفتي أحد أبناء هذا الوطن المنهوب لا يمكنني تجاهل المخاوف التي يعيشها شعبنا اليوم في صمت لأول مرة نشعر بأن حدودنا ليست آمنة وأن ما كان بعيدا بات قريبا منا ليس لأن المليشيا قوية بالضرورة بل لأن سلطة الدولة غائبة والعين الأمنية عمياء والولاء الوطني يتآكل
فإذا لم يتم التعامل مع هذا التهديد الواضح بمنطق التفاوض الواضح او الحسم لا التعايش فإننا سنجد أنفسنا بعد سنوات نكتب عن كيف ضاع الشمال كما ضاع الغرب والجنوب والوسط.