رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير.. أسامة صالح

الأعمدة

“التناقض الاستراتيجي: تحليل ادعاءات التنسيق المزعوم بين إيران وقطر في هجوم قاعدة العديد”

تحليل : المستشار معاوية أبوالريش

أوردت صحيفة نيويورك تاميز الأمريكية خبرا مفاده أن طهران نسقت مسبقا مع الدوحة قبل الهجوم الصاروخي على قاعدة العديد الأمريكية في قطر وأدعت الصحيفة بأن طهران أعلمت الدوحة بموعد إطلاق صواريخها نحو القاعدة الأمريكية وذلك بهدف تقليل حجم الخسائر .

و تشير الأحداث الأخيرة إلى استحالة حدوث تنسيق فعلي بين طهران والدوحة في الهجوم على قاعدة العديد الأمريكية، بل إن الأدلة تؤكد العكس تماماً وهو رفض قطري قاطع للعدوان الإيراني واعتباره انتهاكاً صارخاً لسيادتها.
شهد يوم 23 يونيو 2025 تصعيداً خطيراً شكّل نقطة تحول في التوازنات الإقليمية، حيث أطلقت إيران هجوماً صاروخياً على قاعدة العديد الجوية الأمريكية في قطر، رداً على الضربات الأمريكية الإسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية. هذا الهجوم، الذي استهدف أكبر القواعد العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط، واجه رداً قطرياً حازماً تمثل في نجاح أنظمة الدفاع الجوي القطرية في اعتراض الصواريخ الإيرانية دون وقوع أي إصابات، مما يدحض تماماً أي ادعاءات حول وجود تنسيق مسبق بين البلدين.
إن فهم حقيقة هذه الأحداث يتطلب تحليلاً عميقاً للتناقض الجوهري بين المصالح القطرية والإيرانية في هذا السياق. فقطر تستضيف أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط، والتي تضم مقر القيادة المتقدم للقيادة المركزية الأمريكية وأكثر من 10,000 جندي أمريكي وأحدث الطائرات المقاتلة والقاذفات الاستراتيجية. التنسيق مع إيران لمهاجمة هذه القاعدة كان سيعني تدمير العلاقة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة وتهديد الأمن القومي القطري وانتهاك اتفاقيات الدفاع المشترك.
الموقف القطري الرسمي جاء واضحاً وحازماً، حيث أدانت الدوحة بشدة الهجوم الإيراني واعتبرته “انتهاكاً صارخاً لسيادة دولة قطر ومجالها الجوي والقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة” مؤكدة أنها “تحتفظ بالحق في الرد مباشرة بما يتناسب مع طبيعة وحجم هذا العدوان الصارخ”. هذا الموقف الرسمي القطري لا يدحض فحسب أي ادعاءات حول التنسيق المسبق، بل يؤكد رفض قطر القاطع لهذا العمل العدواني.
وتؤكد الأدلة العملية على أرض الواقع عدم وجود أي تنسيق مسبق، بل وتشير إلى العكس تماماً. فمن ناحية التحضير العسكري القطري، نجد أن قطر فعّلت أنظمة الدفاع الجوي لاعتراض الصواريخ وأغلقت مجالها الجوي كإجراء احترازي ورفعت حالة التأهب في قواتها المسلحة. كما أن التوقيت المفاجئ للهجوم، الذي تزامن مع إغلاق المجال الجوي القطري فجأة “كإجراء احترازي” بسبب التوترات الإقليمية، يشير بوضوح إلى عدم التخطيط المسبق من الجانب القطري.
من جانب آخر، حاولت إيران لاحقاً تهدئة التوترات مع قطر عبر بيان تبريري من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني مؤكداً أن “هذا العمل لا يشكل أي تهديد للبلد الصديق والشقيق قطر وشعبه النبيل”. هذا البيان التبريري يكشف عن إدراك إيران لخطورة موقفها وحاجتها لتبرير عملها العدواني، مما يؤكد عدم وجود تنسيق مسبق.
إن ترويج مثل هذه الادعاءات يثير تساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراءها، والتي قد تكون جزءاً من حرب معلومات تهدف إلى زعزعة الثقة في العلاقات القطرية الأمريكية وإثارة الشكوك حول موقف قطر من التصعيد الإقليمي وتبرير العدوان الإيراني بإظهاره كعمل “منسق”. كما قد تستهدف هذه الادعاءات تشويه صورة قطر كوسيط إقليمي موثوق وزرع الشكوك في التحالف الخليجي وتقويض دور قطر الدبلوماسي في المنطقة.
هذه الأحداث تحمل تداعيات استراتيجية عميقة على المستويات الإقليمية والدولية. على الصعيد الإقليمي، يُتوقع تعزيز التحالف الخليجي ضد التهديدات الإيرانية وتقوية التنسيق الأمني بين دول المجلس مع إعادة تقييم أنظمة الدفاع الجوي الإقليمية. أما بالنسبة للعلاقات القطرية-الأمريكية، فإن زيارة الرئيس ترامب المفاجئة لقاعدة العديد في مايو 2025 والاستثمارات القطرية البالغة 52 مليار دولار في المشتريات الدفاعية الأمريكية تؤكد قوة الشراكة الاستراتيجية وتدحض أي شكوك حول التزام قطر تجاه التحالف.
على مستوى الدور القطري الإقليمي، تؤكد هذه الأحداث موقف قطر كطرف معتدل في الصراعات الإقليمية وتعزز دورها كوسيط موثوق في الأزمات مع الحفاظ على سياسة التوازن الدقيق في العلاقات الإقليمية. إن الاستجابة القطرية الحازمة للعدوان الإيراني تُظهر قدرة الدوحة على الدفاع عن سيادتها دون التخلي عن دورها الدبلوماسي الإقليمي.
في ضوء التحليل الشامل للأحداث والأدلة المتاحة، يمكن القول بوضوح تام أنه لا يوجد أي دليل موثوق على وجود تنسيق بين إيران وقطر في الهجوم على قاعدة العديد، بل إن جميع الأدلة تشير إلى العكس تماماً. الموقف القطري الرسمي الواضح في إدانة الهجوم ووصفه بالعدوان يدحض هذه الادعاءات نهائياً ويؤكد التزام قطر بسيادتها وعلاقاتها الاستراتيجية.
لذلك، يجب التعامل مع مثل هذه الادعاءات بحذر شديد كونها قد تكون جزءاً من حرب معلومات تهدف إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي وتقويض العلاقات الاستراتيجية القائمة. الحاجة ماسة للاعتماد على المصادر الرسمية المؤكدة وتجنب الانجرار وراء الشائعات التي قد تخدم أجندات سياسية معينة، خاصة في ظل التوترات الإقليمية الحالية التي تتطلب وضوحاً في المواقف ودقة في التحليل.

زر الذهاب إلى الأعلى