رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير.. أسامة صالح

الأعمدة

من حقنا أن نعرف ، ومن حقهم أن يحاسبوا ،، أسئلة العدالة الانتقالية

بقلم : احمد التجاني دلدوم الختيم _
مستشار قانوني
🚦منذ اندلاع الحرب في السودان في الخامس عشر من أبريل 2023، دخلت البلاد في نفق مظلم تتناسل فيه الانتهاكات وتتساقط فيه الضمانات الأساسية للكرامة الإنسانية ، ومع تراكم الفظائع ضد المدنيين من قتل واغتصاب وتشريد وتجويع واستهداف للمرافق الحيوية، يبرز سؤال ملح : هل ستطوى هذه الجرائم دون محاسبة؟
🚦وهل ستعود الحياة إلى طبيعتها دون كشف الحقيقة وإنصاف الضحايا؟
🚦الإجابة من منظور القانون الدولي والعدالة الإنسانية واضحة :
لا يمكن أن يكون هناك سلام حقيقي دون عدالة، ولا يمكن بناء مجتمع مستقر دون مساءلة ، وهنا تتقدم العدالة الانتقالية كحق أصيل للمجتمعات الخارجة من النزاعات، لا كترف قانوني أو خيار سياسي، بل كضرورة مجتمعية وتاريخية .
🚦تفكيك المصطلح :
ما هي العدالة الانتقالية؟
العدالة الانتقالية هي مجموعة من الآليات القضائية وغير القضائية التي تعتمدها المجتمعات الخارجة من فترات النزاعات أو الحكم القمعي، بهدف مواجهة إرث الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وهي تقوم على أربعة أركان مترابطة :
1. المحاسبة : ملاحقة مرتكبي الانتهاكات، لا سيما جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
2. جبر الضرر : تعويض الضحايا معنويا وماديًا.
3. كشف الحقيقة : توثيق ما حدث ورفع الغموض عن مصير المفقودين .
4. إصلاح المؤسسات : تطهير أجهزة الدولة من العناصر المتورطة ، وضمان عدم تكرار الجرائم .
🚦لماذا العدالة الانتقالية ضرورة في السودان اليوم؟
الحرب التي بدأت في أبريل 2023 لم تخلف فقط دمارًا ماديًا هائلًا ، بل أعادت إنتاج نمط مأساوي من الانتهاكات المنهجية ضد المدنيين ، النزوح القسري الجماعي، المجازر، الاغتصابات، استخدام الجوع كأداة حرب، تدمير المرافق الصحية والتعليمية، كلها تمثل انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني .
🚦التعامل مع هذه الوقائع بمنطق التجاهل أو النسيان لا يقود إلا إلى إعادة تدوير العنف، وتثبيت الإفلات من العقاب، وخلق شعور دائم لدى الضحايا بالهامشية والخذلان .
🚦من هنا، فإن العدالة الانتقالية ليست ترفًا ولا استيرادًا خارجيًا، بل حقٌ للسودانيين، وضرورة لبناء وطن يتجاوز العنف المتكرر.
🚦الإفلات من العقاب : كيف يقوض السلام؟
الإفلات من العقاب يعني ببساطة أن ترتكب جريمة دون مساءلة ، وهذا لا يفتح الباب فقط لمزيد من الانتهاكات، بل يضعف ثقة المواطن في الدولة والقانون، ويمنع أي أمل في إعادة بناء العقد الاجتماعي .
إن تجارب دولية عديدة، مثل رواندا، سيراليون، كولومبيا، وغيرها، أظهرت أن تجاهل العدالة في المراحل الانتقالية يؤدي غالبًا إلى إعادة إنتاج النزاع أو انفجار العنف من جديد. بينما ساهم تطبيق العدالة الانتقالية بجدية في تمكين هذه المجتمعات من تجاوز ماضيها الدامي نحو مستقبل أفضل.
🚦دور المجتمع المدني والضحايا في المسار الانتقالي :
من أهم دروس العدالة الانتقالية عالميا أن هذا المسار لا يفرض من أعلى فقط ، بل يتحقق بفعل الضحايا والمجتمع المدني ، في السودان تقع على عاتق المنظمات القانونية والحقوقية والإنسانية، والنقابات والمبادرات الشعبية، مهمة توثيق الانتهاكات، وتمكين الضحايا من المطالبة بحقوقهم، والضغط من أجل عدم التساهل مع مرتكبي الجرائم .
فلا عدالة دون صوت الضحايا، ولا مصالحة دون الاعتراف بما جرى .
🚦هل يمكن أن تتحقق العدالة الانتقالية في ظل استمرار الحرب؟
رغم أن تطبيق العدالة الانتقالية الشامل يرتبط عادة بمرحلة ما بعد النزاع، إلا أن التحضير لها يبدأ الآن، أثناء الحرب، من خلال :
1. التوثيق المحترف للانتهاكات.
2. رفع الوعي بالحقوق القانونية.
3. المناصرة لآليات العدالة الدولية (مثل المحكمة الجنائية الدولية).
4. بناء شبكات قانونية وحقوقية فاعلة تمهد للمرحلة الانتقالية .
بمعنى آخر ، ما لا يتحقق الآن عبر العدالة، لن يعوض لاحقًا بالصمت أو النسيان.
🚦توصيات نحو عدالة انتقالية حقيقية في السودان :
1. إنشاء آلية مستقلة لتوثيق الانتهاكات منذ 15 أبريل 2023 وما بعدها.
2. مناصرة تشريعات تضمن عدم العفو عن الجرائم الجسيمة مثل الإبادة وجرائم الحرب.
3. الضغط من أجل إشراك الضحايا في أي عملية سياسية أو مفاوضات مستقبلية.
4. تحقيق العدالة الجنائية الدولية موازاةً مع آليات وطنية محلية (لجان، محاكم، تعويضات).
5. دعم مبادرات بناء الذاكرة الجماعية وعدم طمس الجرائم.
🚦خروج : العدالة ليست عبئا على السلام، بل شرطا له
إذا أردنا سلامًا مستدامًا في السودان، فلا بد أن يكون سلامًا مؤسسًا على العدالة.
العدالة الانتقالية ليست موجهة ضد الأفراد أو الجماعات، بل ضد منطق العنف المنفلت، ومن أجل مجتمع يتصالح مع ماضيه بشجاعة، دون أن يكرره في مستقبل أبنائه.
🚦لا للإفلات من العقاب ،
نعم للعدالة بصوت الضحايا ..
الله من وراء القصد وهو يهدي السبيل 🙏

زر الذهاب إلى الأعلى