رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير.. أسامة صالح

الأعمدة

فواتير مؤجلة وحان وقت سدادها

بقلم المستشار كمال محمد الامين
يقولون إن التاريخ يعيد نفسه مرتين: مرة كمأساة، ومرة كمهزلة. لكن في السودان، يبدو أن التاريخ قد أصيب بالدوار، فهو يعيد نفسه كمأساة ومهزلة في آن واحد، وكأنه يريد أن يوفر على نفسه عناء الانتظار.
لقد شهدت عيناي كثيراً من العجائب في هذا العالم، لكنني لم أر مجموعة من البشر تجمع بينها شهوة السلطة إلى حد أنها تعمل انقلاباً على الحكومة الشرعية، ثم عندما يفشل هذا الانقلاب، تقوم بشن حرب ضد القوى المدنية التي أسقطتها، وتمنع أي بارقة أمل للسودانيين في وقف نزيف الحرب. إنها مجموعات المصالح في سلطة الأمر الواقع ببورتسودان.
والآن، حان وقت دفع الفواتير.
طبعاً، الحركة الإسلامية تلعب بهم كرة. وهذا ليس مجازاً، بل حقيقة مرة كطعم الدواء. فالحركة الإسلامية في السودان كانت دائماً بارعة في لعب الكرة مع الآخرين، ترميها لهم عندما تحتاج إليهم، وتسحبها منهم عندما تشعر بالقوة.
مجرد انسحاب الدعم السريع من العاصمة أو هزيمته تخيلوا أن الحرب انتهت! كأن الحرب كانت مجرد لعبة كرة قدم، وبمجرد أن يغادر الفريق المنافس الملعب، تنتهي المباراة ويحين وقت تقسيم الجوائز.
قرروا أكل الكيكة بدون الآخرين. وهذا هو ديدن من يعيش في وهم النصر، ينسى أن النصر الحقيقي ليس في إخراج الخصم من الملعب، بل في إنهاء اللعبة بأقل الخسائر وأكثر المكاسب للجميع.
لكن الفواتير، يا سادة، لا تُدفع بالأوهام. والتاريخ محاسب أمين لا يقبل الشيكات المرتدة. كل طموح له ثمن، وكل حلم له فاتورة، وكل وهم له حساب.
هؤلاء الذين يحلمون بالكيكة كاملة، نسوا أن الكيكة التي تُؤكل وحيداً تصبح مرة المذاق، ثقيلة على المعدة، وقد تؤدي إلى تخمة قاتلة.
عندما كنت أتأمل تاريخ الأمم، وجدت أن الذين يحاولون الاستئثار بكل شيء ينتهون بلا شيء. والذين يرفضون المشاركة في البناء، يجدون أنفسهم وحيدين في الخراب.
السودان بلد كبير، قلبه أكبر من أطماع الطامعين، وروحه أقوى من مؤامرات المتآمرين. لكن الصبر له حدود، والشعوب لها ذاكرة، والتاريخ له حساب.
ختاما :
يقولون إن من يزرع الريح يحصد العاصفة. لكن في السودان، يبدو أن هناك من يزرع العاصفة ويتوقع أن يحصد الياسمين.
الحقيقة أن الفواتير قد وصلت إلى العنوان الصحيح. والسؤال الآن ليس متى ستُدفع، بل كيف ستُدفع. هل بالحكمة والتنازل المتبادل، أم بالمزيد من الدماء والدموع؟
الخيار ما زال أمام الجميع. لكن الوقت يمضي، والفواتير تتراكم، والشعب السوداني ينتظر

زر الذهاب إلى الأعلى