القاهرة تتجه للقبول بنفوذ حميدتي في المثلث الحدودي.
قيادة الدعم السريع تعمل على تبديد مخاوف الدول المجاورة للسودان.

لم تعلق الحكومة المصرية على عرض قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) بالحوار معها مباشرة لحل أيّ خلافات بين الجانبين بعد سيطرة قواته على المثلث الحدودي بين مصر وليبيا والسودان.
ويشي الصمت المصري على عرض حميدتي وكذلك على الواقع العسكري الجديد على حدودها بأن القاهرة بدأت تغير موقفها من حميدتي ومن توسع نفوذ قوات الدعم السريع، الذي أصبح أمرا واقعا وليس من مصلحة المصريين الوقوف ضده ولو بالتصريحات الدبلوماسية والإعلامية.
ويشعر المصريون أن عداءهم لقوات الدعم السريع لم يعد مبررا بعدما انقلبت موازين القوى الميدانية. كما أن دعم قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان لم يجلب أيّ مكاسب للنفوذ المصري في ظل عزلته واستحالة انتصاره عسكريا، بالإضافة إلى زيادة الاعتراف بقوات الدعم السريع وحلفائها من قوى عسكرية ومدنية خارجيا، وخاصة في أفريقيا.
ويرى مراقبون أن مصر راهنت على البرهان على أمل بسط سيادته على البلاد، والآن، وفي ظل انحسار نفوذ الجيش بسبب توسع دائرة خصومه وتراجع شعبيته، ليس ثمة ما يدفعها إلى الاستمرار في دعمه خاصة إذا كان هذا الدعم سيمس من مصالحها وتحالفاتها في الإقليم.
ويشير المراقبون إلى أن دعوة حميدتي للحوار نوع من البراغماتية السياسية، والإيحاء بأنه لا يكنّ عداء للقاهرة، وعلى استعداد لتبديد مخاوف دول جوار السودان من أيّ تهديدات أمنية تتعرض لها بسبب تواجد قوات الدعم السريع في هذا المثلث.
وأكد حميدتي أن الخلافات مع مصر يمكن حلها من خلال الحوار المباشر، وليس عبر المشاحنات الإعلامية، بعد أن شن انتقادات لاذعة سابقا، متهمًا إياها بدعم الجيش السوداني عسكريا، وشن ضربات جوية على قواته في مناطق متعددة.
وفي خطاب نادر مصور من دارفور، وأمام حشد من قواته، الأحد، أبدى حميدتي رغبة في الحوار مع القاهرة، متهمًا من أسماهم بـ”المجرمين” بتخريب علاقة قواته بدول الجوار، قائلًا “نحن نحترم جيراننا المصريين، وأيّ مشكلة يمكن أن تُحل بالحوار والنقاش،” في رسالة الهدف منها تقويض هواجسها الأمنية، ومنع أيّ احتكاك عسكري بعد تمركز قواته على مقربة من حدودها الجنوبية داخل الأراضي السودانية.
وصرّح أن سيطرة قوات الدعم السريع مؤخرا على المثلث الحدودي، يمكن أن تشكل “إضافة إيجابية لجيران السودان” عبر تأمين الحدود التي أصبحت “بؤرة للإرهاب والتهريب والمخدرات والاتجار بالبشر.”
ولا تحمل هذه المسألة رسالة تطمين أمنية لمصر فقط، بل إلى دول الاتحاد الأوروبي أيضا التي تخشى منذ فترة من تحويل هذا المثلث إلى بوابة للهجرة غير الشرعية، وتؤكد أن حميدتي يريد تفعيل اتفاق سابق بشأن ضبط هذه المنطقة من داخل السودان.
وقال عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية السفير صلاح حليمة إن حديث حميدتي رسالة غير مباشرة لتجنب أيّ صدام مع مصر قد يحدث نتيجة اقترابه من حدودها، ما جعل كلامه يأخذ بعدا تحذيريا أكثر من كونه تصالحيا، وهو خطاب موجه إلى قواته بشكل رئيسي، في رسالة تطلب عدم الاحتكاك بمصر.
وفسّر المحلل السياسي السوداني حاتم إلياس تصريحات قائد الدعم السريع على أنها تعكس بلورة موقف مصري مغاير مع الجيش السوداني، وإدراك القاهرة أنه لا أمل من تفكيك تحالف الجيش بين الإسلاميين، وأصبح واضحا أنهما في تنظيم واحد، وأن السياسة الخارجية للسودان، والواقعة تحت هيمنة الحركة الإسلامية، تكشف عن غياب تام لأيّ ثوابت في التعامل مع الدول سواء أكانت مصر أم غيرها، وكل تحركاتها تتم لصالح منطق الصفقات والمساومات الآنية، وهو أمر لا تستسيغه الدولة المصرية.
وذكر إلياس في تصريحات لـ”العرب” أن تصريحات حميدتي، وهي تحمل رغبة في الحوار، لا تنفصل عن إمكانية تشكيل تحالف إقليمي يدعم إزاحة جماعة الإخوان في السودان، ويضمن في الوقت ذاته لمصر الحفاظ على عمقها الإستراتيجي ودورها التاريخي وتأثير أكبر في مستقبل السودان، ومن المتوقع أن تكون القاهرة قد فتحت قنوات اتصال فعلية مع قادة الدعم السريع لترتيب تفاهمات حول السيناريوهات المحتملة.تذاكر سفر للسودان
وتعهد حميدتي بتسهيل توصيل المساعدات إلى جميع مناطق إقليم دارفور، عقب تزايد أعداد النازحين الفارين من القتال في ولايات الخرطوم والجزيرة، ومناطق الرهد وأم روابة والحوازمة، التي استعاد الجيش السيطرة عليها مؤخرا.
ووجّه قائد الدعم السريع رسالة تصالحية إلى قادة الحركات المسلحة المتحالفة مع قوات الجيش، تحديدًا قائد حركة تحرير السودان مني أركو مناوي ورئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم قائلًا “ليس لدينا مشكلة مع ناس مني وجبريل، لو أتوا إلينا اليوم فمرحبًا بهم.”تذاكر سفر للسودان
وتزامنت رسالة حميدتي مع مذكرة قدّمتها قوى سياسية متحالفة مع الجيش إلى رئيس الوزراء كامل إدريس، عبّرت فيها عن احتجاجها على تجاوزها في مشاورات تشكيل الحكومة الجديدة، وسط تصاعد التوتر في صفوف التحالفات المؤيدة للجيش.
وأشارت المذكرة إلى أن أطرافًا رئيسية في تحالف الكتلة الديمقراطية المؤيدة الرئيسية للجيش تم إقصاؤها عن مشاورات إعلان تشكيلة الحكومة الجديدة، وطالبت هذه القوى بأن تكون شريكة فعلية في مناقشة مستقبل السلطة التنفيذية.
ووقّع على المذكرة عدد من القوى السياسية المنضوية تحت الكتلة الديمقراطية، وأبرزها: التحالف الديمقراطي للعدالة برئاسة مبارك أردول، وقوى الحراك الوطني بقيادة التيجاني السيسي، جناح من حزب المؤتمر الشعبي.