رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير.. أسامة صالح

الأعمدة

“حكايات من دهاليز المحاماة” : الوليمة التي لا تُنسى

“حكايات من دهاليز المحاماة”
بقلم : المستشار كمال محمد الأمين
الوليمة التي لا تُنسى
في عالم المحاماة، تتراكم القصص كما تتراكم الأوراق في ملفات المحاكم.. بعضها يضحك، وبعضها يبكي، وأغلبها يعلم.
الحكاية الأولى: مطعم البوادي والذاكرة المريرة
كان مكتبي في عمارة كشة بالخرطوم، تلك العمارة التي شهدت الكثير من القصص. اتصل بي الوجيه محمد بهاء الدين محمد إدريس، وكان لديه نزاع في مزرعة مع أحدهم.
في كل جلسة، كان يحضر إلى المكتب، ثم نتوجه سوياً إلى محكمة شرق الخرطوم. وفي جلسة الاستماع المقررة، أحضر المدعي شاهدي زور، ولسوء حظهم.. كنت أعرفهم جيداً.
قررت أن أستجوبهم بطريقة تضعهم في خانة الجرائم المخلة بسير العدالة. أطلت الاستجواب، وبالفعل وقعوا في الفخ المنصوب. حصلت على إذن لمواجهتهم وفتح بلاغ ضدهم.
الشاهد في الموضوع عقب كل جلسة، كان موكلي يدعوني لمطعم البوادي لتناول دجاج البوادي الشهي .
وبعد انتهاء السماع وحجز القضية للحكم صدر حكم لصالحنا وأذكر أنني اتصلت بالأخ محمد بهاء الدين ذات صباح قلت له : “أرسل الأتعاب.”
انتفض كأنما لدغته أفعى وقال: “أتعاب شنو؟! أتعابك وكلتك ليها في بطنك!”
منذ ذلك التاريخ، أرفض أن أتناول الطعام مع أي موكل. الطعام المجاني أغلى من الذهب أحياناً.
الحكاية الثانية: قضية أبيل الالير
أما القاضي أبيل الألير، القاضي والمحامي الجنوبي، فله حكاية أخرى تشبه حكايتي وتختلف.
حضر إليه أهله من الدينكا، طالبين منه الدفاع عن ابنهم المتهم بجريمة قتل. انتهت القضية لصالحه، وتمت تبرئة المتهم.
عمل أهل الولد وليمة كبيرة، ودعوه إليها. لحم وشراب ورقص وأهازيج. بعد الأكل، والناس خلاص بقت ماشية، التفت إلى أهل الولد وقال: “الأتعاب؟”
ردوا عليه وهم يتعجبون: “أتعاب شنو؟! هو الحكومة نفسها قالت (No Case)!”
هكذا هو منطق بعض الناس.. إذا قالت المحكمة “لا توجد قضية”، فمعنى ذلك أن المحامي لم يعمل شيئاً!
الدرس المستفاد:
في عالم المحاماة، تعلمنا أن الاتفاق على الأتعاب يجب أن يكون مكتوباً وواضحاً قبل بداية العمل.
والذي يظن أن المحامي لم يعمل شيئاً لأن المحكمة قالت “لا توجد قضية”.. كمن يظن أن الطبيب لم يعالج المريض لأن المرض شُفي!

هكذا هي الحياة.. دروس تُعلم بالتجربة، وحكايات تُحكى للعبرة.

زر الذهاب إلى الأعلى