رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير.. أسامة صالح

الأعمدة

واخد بال حضرتك يا فندم ؟

حينما سئل البروفيسور الراحل عبدالله الطيب ..عطرالله ذكراه وطيب ثراه ..عن تواضع المبدع او المثقف اوالاديب او المخترع السوداني او الفنان سمه ماشئت و تلكوء صعوده في تردد إلى منابر الشهرة رغم ضخامة إنجازاته التي تخطت الحدود ..اجاب الرجل بمثل طريف قائلا..نحن نفعل كما تفعل البطة وغيرنا يفعل كما الدجاجة ..وحينما لاحظ حيرة الحضور حيال غرابة المثل ..اضاف شارحا..بان الدجاجة تنتج بيضة صغيرة ولكنها تخلق حولها من الضوضاء والضجيج بما بنبي بمكان تلك البيضة في زوايا الدار ..بينما البطة تضع بيضة كبيرة ولكن في صمت مطبق ربما لا يكتشف امرها اهل المنزل إلا بعد ان تفقس صغارها لاحقا .

IMG 20250626 WA0041

مناسبة هذه الرمية .
انني كنت اشاهد منذ مدة ذات البروفيسور عبدالله الطيب عبر تسجيل تلفزيوني قديم وهو جالس في مقعد يعلو على جلسة ملك المغرب الشاب محمد السادس بجلاله قدره وحوله لفيف من العلماء والوزراء والمستشارين وغيرهم يستمعون في ادب يشبه اصغاء التلاميذ للاستاذ في خشوع ينم عن تقديرهم للعلم الذي ينثر درره عليهم المحاضر الحصيف صاحب الذاكرة الحديدية والمعلومة النادرة التي يرويها بلسان عربي مبين لا تشوبه تهتهة ولا يعيبه لحن .
وبالمقابل تابعت عبر بعض القنوات سلسلة من ذكريات كان يسردها في تعثر الكلمات وركاكة العبارات وتاتاة التذكر الاستاذ محمد حسنين هيكل الصحفي المصري الكبير مع احتراما لذكراه عليه الرحمة والمغفرة والذي نعترف بانه اصبح في حياته ويظل حتى بعد رحيله مؤسسة اعتبارية قائمة بذاتها وليس شخصا فردا له حصيلة من الحكايات حول المشهد السياسي والاجتماعي المصري والعربي بل والعالمي على مدى عقود ما مكنه من اعتلاء هذه المكانة في مساحة وعيون الفضاء الإعلامي الذي يتلهف للتعاقد معه مقابل المبالغ الطائلة لاستنطاقه بما يعرف كشاهد عصر .. ورغم اننا لا نحسد الرجل فيما اصابه من شهرة ملأت تلك الآفاق ..غير اننا نتحسر على الا يجد مبدعونا وادباؤنا ذات الفرص لاستعراض بضاعتنا القيمة المستحقة للنشر و المؤهلة لإفادة الغير .
مثلما كنا نحلم بان تكون جائزة نوبل للاداب من نصيب اديبنا الفذ الطيب صالح على سبيل المثال الذي ذاع صيته من خارج حدودنا رغم قلة إنتاجه ولكنه كان ادبا دسما بمقاييس التفوق العمودي النوعي وليس الكمي الافقي في حد ذاته ..رغم اننا نؤمن على استحقاق الكاتب العربي الكبير نجيب محفوظ لذلك الشرف لانه يحسب إلى الرواية العربية كلها وليس يقتصر على حدودها المصرية فحسب.
طبعا لا جدال مطلقا في ان مصر هي قبلة الثقافة والفن والأدب وقبل كل شي فهي بلاد الازهر والعلم والتاريخ وفضلها في رفد السودان دون ان تبخل على شبابه بفرص المعرفة منذ وقت مبكر لا ينكره إلا مكابر .
ولكن ما يعنينا نحن هنا هو الإشارة بالم الى التواضع الجم و تقاعس إعلامنا القاصر عن إعلاء صوتنا الذي ظل خافتا دهورا خلف ذلك الخجل الذي كبل خطانا طويلا عن السعي لارتياد منابر الترويج لانفسنا وكاننا ننتظر ان تلهث هذه المنابر وراءنا صاغرة وهو مفهوم نامل ان تتخطاه مقبل السنوات بعد ان يتعافى وطننا من جراحاته التي اسالت دماء عروقه خارج جسده المنهك لتصب بكل اسف وفخر في ذات الوقت داخل شرايين اجساد اخرى اكثر قابلية لاستيعابها متدفقة في حنايا القلب لتسري في ثنايا الروح معا .
وجمعة سعيدة .
الصورة للبروفيسور العلامة عبد الله الطيب عليه الرحمة وهو يجلس ارضا للكتابة في تواضع مثل طلاب الخلاوي ..فعلا من تواضع لله رفع شانه بين العباد..

زر الذهاب إلى الأعلى