رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير.. أسامة صالح

الأعمدة

**الإعادة التلفزيونية: الثورة التي غيّرت وجه البث الرياضي للأبد

FB IMG 1751047531632

FB IMG 1751047534299
* روما، رضوان علي الحسن
في عالم يشهد سباقًا محمومًا نحو الابتكار، تظل بعض اللحظات محفورة في ذاكرة التاريخ كعلامات فارقة. واحدة من تلك اللحظات حدثت في **23 نوفمبر 1963**، عندما دخلت تقنية **الإعادة التلفزيونية (Replay)** عالم البث الرياضي لأول مرة على الإطلاق خلال مباراة كرة القدم الأمريكية بين فريقي **الجيش (Army)** و**البحرية (Navy)** في مناسبة “يوم عيد الشكر”. كانت تلك الخطوة بمثابة زلزال هز أركان الصناعة الإعلامية، ووضعت حجر الأساس لعصر جديد من التغطية الرياضية التفاعلية.
### **العبقري وراء الكواليس: توني فيرنا**
لم يكن عمر **توني فيرنا**، المهندس والمخرج الشاب في شبكة **CBS**، يتجاوز **29 عامًا** عندما قرر تحدي المستحيل. في زمن كانت فيه البثوث التلفزيونية تُبث **مباشرةً دون أي إمكانية للتسجيل أو الإعادة**، راودته فكرة جنونية: **ماذا لو استطاع المشاهدون رؤية اللحظات الحاسمة مرة أخرى؟**
باستخدام جهاز تسجيل ضخم من نوع **Ampex VR-1000**، والذي كان يعتمد على الأشرطة المغناطيسية، قام فيرنا بتعديل الجهاز ليقوم بما لم يخطر على بال أحد من قبل: **إعادة بث لقطة مسجلة مباشرةً على الهواء!** كانت الفكرة بسيطة في مظهرها، لكن تنفيذها كان معجزة تقنية في ذلك الوقت.
### **اللحظة التاريخية: عندما ارتبك المشاهدون**
عندما أعاد فيرنا بث لقطة تسجيل أحد الأهداف خلال المباراة، وقع ما لم يتوقعه أحد: **ارتبك بعض المشاهدين وظنوا أن الهدف سُجّل مرتين!** لم يكن الجمهور مستعدًا لفكرة أن ما يرونه ليس حيًّا، بل لقطة معادة. هذا الارتباك دفع الشبكات إلى وضع كلمة **”Replay”** على الشاشة لتوضيح الأمر، وهي العلامة التي أصبحت لاحقًا أيقونة عالمية في كل البثوث الرياضية.
### **من كرة القدم الأمريكية إلى العالم: إرث لا ينتهي**
لم تكن تقنية الإعادة مجرد أداة لعرض اللقطات مرة أخرى؛ بل كانت **بداية ثورة في كيفية استهلاك المشاهدين للرياضة**. سرعان ما تبنت الرياضات الأخرى الفكرة، بدءًا من **كرة القدم (السوكر)** إلى **التنس** و**البيسبول**، وصولًا إلى تقنيات أكثر تطورًا مثل **VAR (حكم الفيديو المساعد)** و**التقنية ثلاثية الأبعاد**.
اليوم، يصعب تخيل عالم الرياضة بدون إمكانية إعادة مشاهدة الأهداف، الأخطاء التحكيمية، أو اللحظات الأسطورية. كل هذا بدأ بفكرة شاب طموح في ستوديوهات **CBS**، أثبت أن الابتكار لا يحتاج إلى موارد ضخمة، بل إلى **رؤية وجرأة**.
### **الدرس المستفاد: عندما يغير الإعلام قواعد اللعبة**
قصة **Replay** تذكرنا بأن التلفزيون لم يكن أبدًا مجرد ناقل للأحداث، بل **مشاركًا فعالًا في صياغة تجربة المشاهد**. فيرنا لم يغير فقط طريقة مشاهدة الرياضة، بل أعاد تعريف **العلاقة بين التكنولوجيا والمشاعر الإنسانية** في لحظات الذروة.
والسؤال الآن: **ما هي التقنية التالية التي ستقلب عالم البث الرياضي رأسًا على عقب؟** ربما تكون الإجابة قريبة جدًا، لكن شيئًا واحدًا مؤكدًا: **كل ثورة تبدأ بفكرة، وفكرة واحدة تكفي لتغيير كل شيء.**

زر الذهاب إلى الأعلى