رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير.. أسامة صالح

اخبار العرب

الكنيدري قامة سامقة وراء صمود مهرجان الفنون الشعبية.. 54 سنة من العطاء والكفاح

 

نادية الصبار

نادية الصبار – المغرب ” أمدر تايمز ” 

من يقف وراء مهرجان الفنون الشعبية بمراكش؟ من هذا المايسترو الذي لا يعتلي المنصة، لكنه حاضر في كل تفاصيلها، لا يتصدر المشهد ويكتب ملامحه في كل مشهد؟ إنه الدكتور محمد الكنيدري، الرجل الذي أقل ما يقال عنه أنه يقود مهرجانًا بحجم التاريخ والهوية.

بروية العلماء وحنكة المدبّرين، يواصل الكنيدري إدارة دفة مهرجان الفنون الشعبية واحد من أعرق وأكبر التظاهرات الفنية والثقافية في المغرب، بمزيج من الحكمة وفن التدبير.

إنه ليس مجرد رئيس لجمعية الأطلس الكبير، ولا فقط مديرًا لتظاهرات كبرى مثل ماراطون مراكش الدولي، ومهرجان الفنون الشعبية، بل صانع تجربة ممتدة تُراكم الإنجازات في صمت، وتُراهن على الإشعاع الثقافي كقوة ناعمة تليق بمكانة المملكة المغربية العلوية الشريفة.

ولد محمد الكنيدري في قلب المدينة العتيقة بمراكش، حيث عبق التاريخ واريج الهوية.. من درب الحمام، حيث يرقد القاضي عياض، خرج الطفل اليتيم “محمد” ليشق طريقه إلى عالم الفيزياء النووية، ثم إلى محراب الجامعة والوزارات، دون أن تفارقه بساطة النشأة وإيمانه العميق بجدوى العمل الجماعي والمبادرات المدنية.

لم يكتف محمد الكنيدري، الفيزيائي الذي شق طريقه وسط المختبرات المجهزة بالبحث العلمي؛ بل اختار أن يضع علمه وخبرته في خدمة بلده ومجتمعه، فكان أستاذًا، ثم عميدًا، فوزيرًا للتربية الوطنية، ثم رئيسًا لجمعية الأطلس الكبير التي تدير، إلى جانب المهرجان، مشاريع اجتماعية وثقافية ورياضية تُعنى بالشباب والفئات الهشة.

ولعل ما يجعل من الكنيدري شخصيةً استثنائية، ليس فقط قائمة الجوائز والأوسمة التي نالها، ومنها وسام العرش من درجة ضابط، والدكتوراه الفخرية من جامعة بورغون، بل قدرته النادرة على جعل العمل الجمعوي في المغرب نموذجًا للالتزام والاستمرارية، لا ظرفيةً عابرة ولا مناسبةً للاستعراض.

في كل دورة من دورات المهرجان، يظهر الكنيدري كرجل ظلّ حقيقي، يتفقد عن كثب كل تفصيلة، يُنصت، يُصحّح، يُقوّم، ثم يتوارى إلى خلف ليترك المنصة للأداء الحي والزمن المغربي الأصيل.

مايسترو بحق، لا يحمل عصا ولا يملك نوتة، لكنه يُدير في الكواليس عروض ” الفنون الشعبية” بلمسة الباحث في الذرة وبدقة الوزير الذي يعرف دهاليز القرار، وبقلب المراكشي القح الذي يرى في الثقافة حقًا مشتركًا، وفي الفنون الشعبية ذاكرة لا تقبل التفريط.

وبين تدبيره للمهرجان، وحرصه على توثيق التراث الشفهي، ومواكبته لماراطون مراكش، ومهرجان كناوة شو، ومهرجان المواهب المتمدرسة، لا يُخطئ من أدرك أن الكنيدري لم يكن يومًا مجرد إداريّ أو اسم على رأس لجنة تنظيم، بل حالة نادرة من الوفاء للمكان والرسالة، وبرهان على الاتساق بين المسار الشخصي والرهانات الجماعية.

ربما لهذه الأسباب وغيرها، لا يذكر المراكشيون الكنيدري فقط كمؤسس مهرجان ذي أثر كبير، بل كأحد حراس المدينة الحقيقيين، الذين جعلوا من خدمة التراث والفنون عقيدة لا تحيد.

زر الذهاب إلى الأعلى