رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير.. أسامة صالح

الأعمدة

سياحة فنية بين عذوبة الكلمة وجمال اللحن في اغنية(#صدقيني وحيات غرامنا)لتبيين عبقرية /#عثمان حسين وشاعرية /#عوض أحمد خليفة.

#المستشار/#مهيد شبارقة.
ففي الذاكرة الفنية السودانية دائما ما تتوهج أعمال قلائل مثل نجوم ساطعة لايبهت بريقها مهما توالت الأجيال وتبدلت الأذواق ومن بين هذه الأعمال التي تسكن القلب وتلامس الوجدان أغنية (#صدقيني وحيات غرامنا)والتي شكلت لقاء استثنائيا بين صوت السودان الرخيم عثمان /حسين والكلمة الرهيفة التي صاغها الشاعر /عوض أحمد خليفة في حكاية (#حب وحنين) امتزجت فيها الرقة الموسيقية مع الصدق الشعري في قالب خالد من الجمال.
أولا: #الكلمات ودفء العاطفة وشاعرية الطرح:
كتب الشاعر عوض أحمد خليفة كلمات الأغنية بروح /#العاشق الرزين الذي يخاطب محبوبته لا من موقع العتاب بل من مقام الوفاء والاعتراف الصادق، حيث يقول:
صدقيني وحيات غرامنا
صدقيني صدقيني
وحياة غرامنا انا ماكذبت
عليك في حبي
صدقيني ابدا ولا حولت
عنك مره قلبي
انتي في دنيااااايا امالي
واهلي وكل
صحبي
وكل زهره نديه ياااانعه
انتي رياها
وعبيرا
وكل فرحة في فؤااادي
انتي لحظاته
المثيرة
وكل لحظة عمقت في
قلبي حبك
واحترامك يااميرة
وكفكفت من عيني دمعات
الليالي وقسوة
الايام وجورا
صدقيني وحيات غرامنا
من بعيد تكفيني
منك
لفته او طيف ابتسامه
نظره تفضح سر
عيونك
فيها نجواها وكلامها
فيها من معني
المحبة
رقتها وخيره وسلامها
فيها ما يغنيني
طول ايامي عن سور
الندامة
صدقيني كل من جهل
الحقيقة
سألني عن سرك معايا
وكنت خايف لو
ادل الناس
علييييك يااغلي غاية
وكل واحد في
حياتو بكرا يتقبل
حكاية
وانت ابعد ماتكوني عن
الاقاويل والوشايه
صدقيني وحيات غرامنا
وهنا تتجلى بساطة المفردة وجمال الصياغة دون تكلف أو تصنع بل بلغة قريبة من النفس تشعر المستمع أن الكلمات قيلت له شخصيا ويلاحظ أن شاعرنا استخدم أسلوب التوكيد القسَمي (#وحيات غرامنا) لتأكيد الوفاء ثم ينتقل إلى ذكر الزمن المشترك كقيمة عاطفية (#أيامنا) وكأنما الزمن نفسه جزء من العلاقة لا مجرد ظرف لها ويتدرج النص من الاستحضار الحنون للماضي لاستدعاء عهد المحبة الذي لا يتبدد وبهذا تتجاوز هذه الأغنية حدود العاطفة العابرة إلى الفلسفة الشعورية فالحب هنا لا يقاس بالقرب المكاني بل بالحنين المتجدد مع البعد وهي فكرة فنية رقيقة وعميقة في آن واحد.
ثانيا: #الملحن والمغني عثمان حسين ومقام الشجن:
فعثمان لم يكن مغنيا فحسب بل ملحنا استثنائيا وصائغ ألحانٍ تفيض إحساسا وفي هذه الأغنية تظهر براعته في توظيف اللحن لخدمة النص دون أن يطغى عليه…!!
فاللحن يبدأ هادئا ثم يتصاعد تدريجيا مع كل مقطع شعري كأنما يعكس الموجات الشعورية التي تمر بها العلاقة من ذكرى فشوق فحنين ويلاحظ أنه اعتمد على مقام الراست في الجمل الأولى وهو مقام شرقي ذو طابع وقور عاطفي ثم ينتقل برقة إلى (#البياتي أو الصبا) في بعض الجمل مما يكسب المقطع حزنا شفيفا لا يتحول إلى نحيب بل يظل عذبا كما الحنين الصامت.
سيما والأداء الصوتي لابوعفان حمل كل عناصر البوح الداخلي فصوته في (#صدقيني)لا ينطق بل يهمس وكأنه صلاة في محراب الهوى وهذا التحكم الديناميكي بالصوت ساعد على نقل المستمع من الاستماع إلى التعايش مع الأغنية.

ثالثًا: #المناسبة والظرف التاريخي ادى لنضج التجربة وصدق العبارة:
كتبت وغنّيت الأغنية في فترة منضبطة من تاريخ السودان الحديث وهي ما بين خمسينيات وستينيات القرن الماضي حيث كانت العاصمة الخرطوم تعيش أزهى عصورها الثقافية على الاطلاق وكانت الذائقة الفنية مشغولة بالشعر الرصين واللحن المتزن فعوض أحمد خليفة الذي كتب الأغنية كان وقتها في أوج نضجه الشعري وكانت تجربته مع عثمان حسين أسفرت عن أعمال عديدة سابقة مما أضفى على هذه الأغنية روح التفاهم الفني العميق بين الطرفين وتروى حكايات عن أن الأغنية كتبت بعد (#غياب طويل بين الحبيبين بسبب ظروف السفر أو العمل) وهي تكرار إنساني يعيش فيه كل مستمع عربي وسوداني على حد سواء وهو ما زاد من جماهيرية الأغنية وتعلق الناس بها.
رابعا: #العناصر الفنية تكامل الصوت والموسيقى:
فمن الناحية التقنية تظهر الأغنية تماسكا لحنيا متقدما فالانتقال بين المقاطع سلس والسلالم الموسيقية متوازنة مما يدل على إدراك عثمان لفن (#البناء اللحني) وليس مجرد التلحين اللحظي.
فتوظيف الوتريات التقليدية (#العود و #الكمان) في مقدمة الأغنية أعطاها طابعا كلاسيكيا،كما أن الإيقاع ظل محايدا لا طربا راقصا ولا بطيئا حد المبالغة ما عزز الإحساس العام بأن هذه الأغنية رسالة وجدانية أكثر من كونها عرضا فنيا.
خامسا: #الأثر والاستقبال ولماذا ظلت حاضرة؟
ان ما يجعل (صدقيني وحيات غرامنا أغنية خالدة ليس فقط جمالها اللحني أو نصها الموزون بل لأنها ببساطة صادقة نسجت من وجدان صادق وغنيت بعاطفةٍ متزنة ولم تكن حيلة فنية أو تكلفا صوتيًا لذا لا تزال حتى اليوم تبث في الإذاعات وتغنى في الجلسات الطربية وتحفظها الأجيال لأن بها مزيجا من الحنين والسمو كيف لا وهي تخاطب الحواس والعقل معا وتستدعي ذاكرتنا العاطفية دون أن تجرحها.
خاتمة: #أغنية تنتمي لزمن الذوق العالي
فصدقيني ليست مجرد أغنية عاطفية بل وثيقة وجدانية تنتمي لعصر كان فيه الحب أكثر اتزانا والشعر أكثر صدقا والموسيقى أكثر احتراما للمتلقي لذلك هي تحفة فنية متكاملة يتكئ فيها الشعر على اللحن ويعانق الصوت النص في انسجامٍ لا يملّ مهما أعيد لإنها تجسيد حقيقي لجملة يرددها العارفون الاوهي:
(#الأغنية الجميلة لا تموت لأنها ببساطة ولدت من شعور حي)

زر الذهاب إلى الأعلى