رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير.. أسامة صالح

الأخبار

خالد عمر : السودان مضي في طريق التقسيم بالفعل عبر افعال اهله ولايجدي لوم الخارج علي ذلك

م. خالد عمر عضو الأمانة العامة لتنسيقية تقدم
استمرار حرب 15 ابريل وتجاهل تعقيداتها يمثل خطراً وجودياً على بقاء السودان موحداً، ويدفع به في الطريق السريع نحو التشظي لدويلات تتحكم فيها البنادق المتصارعة، والخاسر الوحيد هو الشعب السوداني الذي يتشرد في منافي اللجوء والنزوح ويعاني ويلاتها ويحلم بيوم العودة الذي لا يلوح في الأفق.
هذه الحقيقة هي بداهة لا يجب أن تغيب عن ذو عقل، ولكن قاتل الله خطابات الكذب والتضليل التي تحجب رؤية البداهات. منذ ان اندلعت الحرب كان واضحاً أن أحد ابعادها هو البعد الاجتماعي الذي يزيد من استقطاباتها لتصبح حرباً بين مجتمعات السودان وليس محض حرب جنرالين، أو قوتين عسكريتين متناحرتين. كان بديهياً أيضاً أنه مع انهيار كيان الدولة ستتزايد التدخلات السالبة التي تقوم بشد البلاد لأقطاب متنافرة ومتنافسة مما يسهل تمزيق وحدتها ارباً اربا.
انتبه البعض لهذه الحقيقة مع أنباء إعلان حكومة داخل السودان يتبناه تيار من القوى السياسية السودانية، وفي تقديري فإن مصدر التقسيم ليس إعلان هذه الحكومة، بل هو سابق لها، إذ أن اجراءات التقسيم بدأت بالفعل منذ اليوم الذي تحول فيه السودان الواحد لمناطق سيطرة أطراف مختلفة. مناطق سيطرة القوات المسلحة، مناطق سيطرة الدعم السريع، مناطق سيطرة الحركة الشعبية لتحرير السودان – قيادة الحلو، مناطق سيطرة حركة/جيش تحرير السودان – قيادة عبد الواحد. هذه المناطق صار لكل منها تفاعلاته المختلفة والمتباينة، وتجذرت ظاهرة تسليح المليشيات والقبائل، هذه الظاهرة التي ستحكم على مستقبل البلاد بالإعدام، إذ أن القبيلة أو الشخص الذي يحصل على السلاح الآن لن يقوم بتسليمه لاحقاً بسهولة، ليتعقد وضع البلاد أكثر وتصعب مهمة الوصول لجيش واحد مهني وقومي فيها.
اجراءات التقسيم هذه أيضاً بدأت من قبل عبر أفعال وأقوال عديدة، منها على سبيل المثال شروع سلطة بورتسودان في اجراءات تغيير العملة في مناطق سيطرة القوات المسلحة واعلان الدعم السريع لاحقاً في مناطقه عن تحريم استخدام العملة الجديدة، مما يعزز وجود سودانين مختلفين بالفعل. اجراءات اقامة امتحان الشهادة السودانية في أجزاء من السودان وحرمان بقية أجزاءه رغم النداءات المتكررة بالنأي عن ذلك هو مثال آخر على انقسام السودان. اجراءات حرمان مناطق بأكملها من الأوراق الثبوتية هو دليل آخر على وجود أكثر من سودان. دعوات استهداف “الحواضن الاجتماعية” لهذه الجهة أو تلك هي دليل انقسام الوجدان السوداني وتبلده وذهوله عن حقائق التعدد والتنوع في البلاد.
السودان مضى في طريق التقسيم بالفعل عبر أفعال أهله ولا يجدي فقط لوم الخارج على ذلك. حرب السودان ليست فريدة عصرها، فهي تتشارك مع حروب المنطقة العديد من نقاط التلاقي، والتجارب من حولنا “على قفا من يشيل” فهل من معتبر؟ في كل هذه التجارب حدث التشظي بالفعل، بل والتعايش معه، وسادت أجندة الخارج على مصالح أهل البلد نفسه، وحكم على كافة هذه الشعوب بالتشرد والنزوح لسنوات طويلة طحنتهم فيها الحياة بلا رحمة.
لا يجدي الآن التباكي على ما فات. تجنب التشظي الكامل للسودان وانهاء معاناة أهله يتطلب الانتباه لخطأ الطريق الذي تسير فيه البلاد. هذه حرب معقدة وأزمات السودان مركبة ومتشابكة ولا يمكن حلها عن طريق البندقية. ساد هذا التصور منذ استقلال السودان بأن البندقية ستفرض مشروع هيمنة ما على الجميع، وثبت خطل هذا التصور. أشعلت عناصر النظام البائد هذه الحرب وعملت على استمرارها لتعود للسلطة على أشلاء الوطن وجماجم الناس، والآن أكملت هذه الحرب عشرين شهراً والنتيجة واضحة، دمار شامل كامل وحرب لا خير فيها الا لقلة تتكسب منها سلطة وثروة.
طريق إنهاء هذه المأساة هو موقف شعبي موسع رافض للحرب ولمنح أي مشروعية لها، موقف يضغط اطرافها لوضع البنادق جانباً الآن ودون تأخير، واختيار طريق حل سلمي تفاوضي يغوص عميقاً في جذور مشاكل البلاد وأزماتها التاريخية والمعاصرة، وينتج عقداً إجتماعياً جديداً بين السودانيين يضمن أن يعبر الوطن عن جميع مكوناته دون هيمنة جهة أو فرض مشاريع أحادية عن طريق البنادق، وأن يتساوى الناس في الفرص ويتشاركوا بلادهم بعدالة وانصاف، وأن يكون هنالك جيش واحد مهني وقومي ينأى عن السياسة والاقتصاد وينهى فيه كل أشكال الوجود الحزبي، وأن يكون التنافس على السلطة سلماً عبر صناديق الاقتراع لا جنازير الدبابات، وأن تسود العدالة للجميع فينصف الضحايا ويجبر ضررهم ويحاسب كل من ارتكب جرماً في حق الناس.
تجنب تقسيم السودان وتشظيه ممكن، ليس عن طريق تتبع تمظهرات الحرب ولعنها، ولا عن طريق لوم الخارج فقط على ما يدور، بل عبر إرادة أهل السودان متى ما تدبروا أمرهم بتعقل وحكمة بعيداً عن ضجيج أبواق التضليل والغوغائية والكراهية والأكاذيب.

زر الذهاب إلى الأعلى