
حديث اي مسئول في اجهزة الدولة الحساسة ينبغي وفقا للاعراف الدبلوماسية ان يتسم بضبط العبارات البعيدة عن التهور و التي يصبح تلافيها مكلفا و إصلاح ما تسببه من كسر عسيرا لاسيما في البلاد التي تعاني من ازمات تستوجب البحث عن المخارج من ازماتها ..و حتى تلك الدول التي لاحت امامها افق الإنعتاق تصبح امامها الفرص متاحة لانتهارها في إعادة جسور التواصل مع العالم الخارجي رامية وراءها ماضيا صنعه غيرها ولكنها تتحمل مسئولية اصلاح ذات البين مع الجميع دون تجديد تلك الازمات بتصعيد خطاب التجريح او الاستفزاز ..ودونك الإدارة السورية الجديدة نموذجا مثاليا و التي ضبطت خطابها في الإشارة الى الدول التي ساهمت في إيذاء الشعب السوري بمناصرتها للنظام الساقط قبل و على مدى سنوات الثورة التي انتصرت بحكم المثابرة نحو بلوغ الهدف والصبر على مشقة النضال .
فكثير من الدول كانت تتخوف من جبهة تحرير الشام التي بيدها زمام الامور الان وذلك تحسبا لماضي فكرها المتطرف ووسائله العنيفة وهي الخارجة من رحم تنظيم القاعدة والمؤسسة حصريا لجبهة النصرة ..غير انها وبعد ان وصلت إلى سدة الحكم توخت نهج وحكمة دبلوماسية الدولة البعيد عن إدارة الامور باسلوب نزق النشاط التنظيمي ..فبث قائدها جرعات من الطمأنينة بلغة دبلوماسية هادئة فتحت الطريق واسعا امام القاصدين إلى تلك الإدارة من مختلف دول الإقليم و بلاد العالم الاخرى .
ونحن هنا في مرحلة لملمة جراح هذه الحرب تجدنا في امس الحاجة إلى ذلك الخطاب العقلاني. و لا نقول المتسامح بالضرورة تجاوزا عن رد الحقوق والمظالم من اية جهة متهمة في ذلك الصدد او ذاك ..ولكن بمراعاة اهمية توحيد لغة الدولة في المواقف تجاه الآخرين عبر قنواتها المكلفة حصرا كوزارة الخارجية و الناطق الرسمي باسم الحكومة او المخولين من طرفي مجلس السيادة و القوات المسلحة كل في حدود مسئولياته و تخصصه بما لا يخرج عن الرسميات الحازمة .
فالكلمة مثل الرصاصة وليس بالإمكان إعادتها إلى فوهة البندقية بعد انطلاقها ويصبح الاعتذار او محاولة التصحيح صعبا قد يدخل الحكومة في حرج شديد و خسارة فادحة .
فلا ثوابت في علاقات الدول .. تماما مثل تبدل مياه السياسة وليس هناك محبة خالصة ابدية ولا يوجد عداء إلى ما لا نهاية .
فالمواقف تتبدل مع تعاقب الانظمة او إزاحة الاشخاص وتظل المصالح المشتركة هي الحاكمة والتي تحدد التقارب والتباعد كتكتيك مرحلي او كخطط استراتيجية بعيدة المدى .
فكم من دول حدث بينها وبين بلاد اخرى ما صنع الحداد ولكنها عادت تقبل شوارب بعضها بعد ان زالت اسباب العداء بينها ليس بسبب جبر الضرر وحده وإنما لعوامل التاريخ والجغرافيا و تخطي علاقات القادة إلى ماهو اسمى من ذلك بكثير والمتمثل في المواقف العاطفية المشتركة بين الشعوب وهي الباقية ..و اما .. ما دونها فهو إلى زوال سواء بضحكته الصفراء او بعبوسه المصطنع !
.