الأعمدة

لست قلقاً على مستقبل السودان علينا أن نضع ومنذ الآن خريطة العودة للوطن

بقلم/ بابكر عيسى أحمد

الخرطوم ليست استثناءاً ولن تكون فقد علمنا التاريخ أن الشعوب والأمم تمر بالمحن والمصائب والبلايا … وبنظرة سريعة إلى جوارنا المناطقي والجغرافي فلن ننسى ما حاق بالعراق من دمار على امتداد الحقب من تتار العصر الماضي إلى تتار العصر الحديث، ورغم الدمار والأحزان نهضت بغداد من رمادها وواصلت المسير رغم التحديات المحيطه بها … وفي لبنان دارت الحرب الأهلية على امتداد عشرة أعوام، ورغم المصاعب والتحديات ما زالت بيروت تبتسم ساخرة في وجه الزمن … وتعاني سوريا الأمرين بعد أن تحولت حلب ودير الزور إلى أطلال وعاشت صنعاء والمدن اليمنية المحنة ونزفت دماً غزيراً وعزيزاً وغالياً ولكنها صمدت في وجه المحنة … ذات الكأس تجرعته الشقيقة ليبيا حيث استباح المرتزقة والقتلة المأجورين أرضها.
الأمثلة كثيرة وحتى الجوار الأفريقي لم ينجو من الموت والحروب المدمرة والعبث بأمن الناس وحياتهم ولكن جميع تلك الأقطار تعافت ونهضت من جديد … وإذا ابتعدنا جغرافياً فلن ننسى ما حاق بالعاصمة الألمانية برلين من دمار على يد الحلفاء … وماحاق بهيروشيما وناجازاكي على أيدي اليانكي الأمريكي حيث استخدمت الأسلحة النووية لأول مرة محدثة زلزالاً مدمراً في اليابان التي نهضت بدورها من جديد … كما استخدم الأمريكيون القوة المدمرة في فيتنام وأفغانستان وأماكن كثيرة أخرى قد لا تتسع لها هذه المساحة.
الخرطوم ليست استثناءاً ولن تكون، فما دام العالم يحكمه الحمقى والذين يؤمنون أن القوة يمكن أن تدمر إرادة الأمم والشعوب فهم واهمون، وفي صور التاريخ الكثير من الأمثلة في أسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية حيث ولد قادة يعرفون قيمة الأوطان ولا يتاجرون بما تمثله من جواهر نفيسه وملاذاً طاهراً يأوون إليه عندما يحين المساء.
في زماننا الراهن اتسعت المؤامرة وكثر المتآمرون، كما أصبحت الكراهية عنواناً لهذا العصر التعيس الذي يتشدق بالحرية والديمقراطية والعدالة وهو يدس السم في الدسم ويبيع الوهم للشعوب المغلوبة إلى حين.
يقول الجنرال الفيتنامي جياب: أن الثورة التي لا يقودها الوعي تتحول إلى إرهاب، وأن الثورة التي يتغدق عليها بالمال تتحول إلى ثورة لصوص ومجرمين … وعندما تصبح الوطنية مصدر دخل يكثر الوطنيون … ويشير الزعيم الصيني ماو تسي تونغ: أخطر على الثورات الوصول بها إلى نصف مراحلها فالذي يقوم بنصف ثورة كمن يحفر قبره بيده.
ويرى الزعيم مهاتير محمد أنه لا يوجد شيء اسمه بلد فقير وبلد غني، ولكن يوجد شيء اسمه حكومة فاشلة أو ناجحة في إدارة البلد اقتصادياً ويضيف أن مكافحة الفساد تبدأ من الهرم الأعلى في السلطة وليس من الأدنى.
وقال هاري ترومان: لا يمكن أن تغتني عن طريق السياسة إلا إذا كنت فاسداً، فيما يرى ابن خلدون: أنه إذا تعاطى الحاكم التجارة فسد الحكم وفسدت التجارة … ويقول جورج اوريل أن السياسيون في العالم كالقرود في الغابة اذا تشاجروا أفسدوا الزرع، واذا تصالحوا اكلوا المحصول … ويقول إدوارد غالبانو أننا لا نعاني نقصاً في الأموال بل زيادة في اللصوص، ويرى نجيب محفوظ أن هذا البلد لو أقيم فيه ميزان عدل كما ينبغي لإمتلأت السجون وخلت القصور … إذا لم ينقرض الجهل سيأتي السياح للتفرج علينا بدلاً من الآثار.
يشير الكواكبي إلى أن الإستبداد لو كان رجلاً وأراد أن ينتسب لقال: أنا الشر، وأمي الكراهية، وأخي الغدر، وأختي الإساءة، وعمي الضرر، و خالي الحقد، وإبني الفقر، وإبنتي البطالة، ووطني الخراب، وعشيرتي الجهالة.
نيلسون مانديلا يرى أن الفاسدون لا يبنون وطناً وإنما يبنون ذاتهم ويفسدون أوطانهم ويقول فيكتور هوجو أنك حين تعيق مجرى الدم بالشريان تكون السكتة القلبية وحينما تعيق مجرى النهر يكون الفيضان وحينما تعيق مستقبل الشعب تكون الثورات.
نعود أخيراً إلى ابن رشد الذي يرى أن التجارة بالأديان هي التجارة الرابحة في المجتمعات التي ينتشر فيها الجهل.
قلت أن الخرطوم وكل المدن السودانية التي حاق بها الدمار نتيجة للعبث والعربدة التي تمارسها الميليشيات المتمردة ليست استثناءاً ولن تكون … وأنا على يقين أن كل المدن التي طالها الخراب والحرق والتدمير ستنهض من رمادها شامخة وعزيزة وسيعود أهلها إلى شوارعها العريضة وساحاتها الفسيحة حيث يلهو الأطفال فوق الخضرة وتحت ضوء الشمس.
لست قلقاً على مستقبل السودان فمها تعاظمت المؤامرات المحلية والإقليمية والدولية فإن شعب السودان سيجتاز سحابة الصيف الداكنة وسيقف شامخاً يحفر لنفسه اسماً في سجل التاريخ … وسيأتي يوم الحساب حيث يساءل كل انسان عما أجرم فيه في حق الشعب العزيز وسيكون الجزاء بمقدار العمل ولن نقول بعد الآن عفا الله عما سلف لأن الجميع مسؤولون عن هذه المحنة التي نعيشها وسيدفعون الثمن غالياً إلى أن تتطهر الأرض.
علينا ومنذ الآن وحتى قبل أن تضع هذه الحرب أوزارها وتفشل مؤامرات الصغار المستأسدين أن نبدأ في وضع الخطط والمشروعات وأن نستعين بكل الخبرات السودانية المهاجرة في مدن العالم المبعثرة ليرسموا لنا خريطة العودة للوطن وأن نتشارك من أجله ومن أجل أطفالنا القادمين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى