الأعمدة

الحس الوطني والسياسي والاستخباراتي في استشراف الحروب والنوازل !

 

ليس ببعيد عن الذاكرة الحملة التي تعرض لها الدكتور اكرم علي التوم وزير الصحة في حكومة الانتقال الاولى بغض النظر عن الاتفاق سياسيا او الاختلاف معه حينما حذر الرجل من تجاهل قدوم جائحة الكورونا ونادى باتخاذ التحوطات اللازمة قبل انتشارها بمدة كافية بغرض تلافيها قبل بلوغها تلك الصورة المرعبة في بلادنا واصبحت السلطات حيالها شبه عاجزة عن مواجهتها وقائيا وعلاجيا ..
فقد تم تسيس الامر على نحو فج وفاضح من الذين كانوا يختلفون مع الرجل فكريا وسياسيا و اتهموه بمحاولة استدرار عطف الراي العام سياسيا بغرض تبخيس تحذيراته تلك و ظل الكثير من الكتاب يسخرون اقلامهم للتقليل من حجم الكارثة بل واستبعاد دخول المرض للسودان من الاساس ..إلى ان استبانوا النصح في ضحى فوات الاوان واصبح بعض اولئك النفر من ابرز ضحايا الجائحة رحمهم الله وسامحهم .

المفكر الاستاذ الحاج وراق ومنذ السنوات الأولى للثورة تنبا محذرا بكل الذي يحدث الان بدءا من حتمية انقلاب البرهان وحميدتي على حكومة حمدوك بعد ان يعرقلا طويلا متصامنين كل حركتها بما في ذلك الطناش عن قفل الموانئ والطرق إلى ان اكد على انهما في نهاية الامر سيختلفان ويدخلا البلاد في حرب ضروس لا احد يمكنه ان يدرك متى ستنتهي والى ماذا ستفضي ..فكل ذلك الاستشراق المبكر ليس لان الرجل فكي كارب او نبي خفي مكشوف عنه الحجاب ..ولكن لانه يمتلك رؤية تحليلية سياسية بناها على قراءة خلفية وتطور الاحداث وحتمية نتائجها .

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رغم انه استفاد ضمنا من مساندة مليشيا فاغنر الارتزاقية في حربه ضد اوكرانيا مثلما سخرها لخدمة المصالح الروسية في عدة بلاد .. ولكنه حينما طلب منه قائدها اخيرا تزويده بالمزيد من الاسلحة المتطورة لزيادة مقدرات فاغنر القتالية ..استخدم بوتين حسه الاستخباراتي العميق في قراءة ما يفكر فيه زعيم تلك المليشيا و بدا الفار يلعب في عب الرئيس الذي راى بذلك الحس الاستشرافي ان طموح طباخه الماهر في التسلق لابد ان يجعله يطلق بصره نحو الكرملين كخطوة قادمة ..فحجب عنه الاسلحة والذخائر ..وقد صدق حدسه بالامس و تكشفت له النوايا الحقيقية من رغبة الرجل في تطوير قوته القتالية وادرك انه بنوي طعنه في الظهر .
ولانه يدرك ايضا ان الدخول في صدام مع هذا المغامر وقد يتملكه الياس ويجعله يهد المعبد على راس الجميع وسيدمر البنى المكلفة للبلاد ويفتح له جبهة داخلية حارقة لخاصرته و يزعزع سلامة الامنين حتى في العاصمة موسكو ..لذا فقد جنح إلى تهدئة ذلك الثور الهائج بالحسنى ومفاوضته عبر وسطاء مقبولين للطرفين بدلا عن جره إلى حرب قذرة تؤثر في تفرغه لمعركته مع الغرب في اوكرانيا.

فيما لم يستشرف البرهان واستخباراته النائمة حجم القادم في مستقبله القريب من ارنبة انفه.. وتبع تحريض حلفائه السياسيين الذين دفعوه إلى ما اسموه إعلان الجهاد لتطهير البلاد من الدنس الجنجويدي الذي لطخت به الانقاذ ثوب الوطن وكانوا هم منها وإليها !
وهاهي النتيجة ..انه بات وفي حيرة المغلوب على امره المشتت الذهن الذي يبحث عن المخارج في كل اتجاه دون جدوى بعد خراب سوبا وتناثر الخرطوم طوبة طوبة و امتداد الحريق إلى ما يشبه الحرب الاهليه في الإصقاع البعيدة ولن تنتهي الحرب حتى لو غادر المتمردون شوارع ومساكن المواطنين واخلوا الاماكن العسكرية في مدن العاصمة القومية .
فالنصر بات ثمنه غال كيفما حققه الجيش واما السلام ستكون كلفته اغلى بكثير كيفما كانت صيغته .
وذلك كله نتيجة عدم تبين النصح المبكر لقراءة اصحاب الفكر الثاقب ..و تقاعس الجهات الاستخباراتية
عن مكاشفة القيادة حول خطورة حزام النار الذي كان يضيق حول وداخل العاصمة والمدن الكبرى الاخرى شرقا وغربا وشمالا و التمركز في مواقعها الحساسة متمثلا في تمدد قوات الدعم السريع بشريا و لوجستيا و تسلحا ووفرة في الإمكانات التي قارعت امكانات الجيش إن لم تكن قد تفوقت عليه ببعض الامتيازات والدلال الزائد .
ولم ياخذ اولئك القادة ايضا تحذيرات الجهات الناصحة التي بح صوتها من الصراخ خوفا من قرب الكارثة .
إلى ان ..حدث ..ما حدث !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى