الأعمدة

ثلاثة على قارعة الزمن.

ثلاثة على قارعة الزمن. ..( الباب الحادي عشر)
جاء عيد الأضحى على عبد الله وكانت والدته طريحة سرير المستشفى هنا نتيجة تدهور صحتها فكان لزاما عليهم هو وشقيقته حياة وزوجها محمود وحتى الأبناء ملازمتها في غرفتها بصورة دائمة
ليتوافق هذا الظرف الدقيق مع انطلاق مراسم عقد قران الدكتور منصور والٱنسة سلوى في الخرطوم وهي مفارقة لم يتوقعها عبد الله الذي كان يتهيأ لمتابعة ذلك الحدث ولو بالمشاركة من على البعد ليكون في صورة حفل الزفاف الذي اخبره منير بانه سيقام في حديقة نادي العاصمة الاجتماعي الكبير الذي كان الدكتور منصور عضوا مؤسسا فيه وظل فاعلا عبر مختلف نشاطاته الادبية والفنية والإجتماعية.. واضاف منير بان كبار المطربين سيحيون تلك المناسبة نسبة لما يربطهم بالدكتور من صداقات تاريخية عريقة.
مر ما يقارب الشهر من الزمن بطيئا وكأنما خطوات الايام تتثاءب كسولة وهي تنبيء بشيء ما يحفر بسكين الخوف المرعب في دواخل عبدالله المحب لوالدته الى درجة الجنون..
والحاجة في حالة دخول للمستشفى متى ما تازمت حالتها وخروج عنه حينما تشعر بتحسن ولو كان طفيفا إلا ان الضجر من اجواء المستشفيات الخانقة و الملل من قسوة العلاج وحصار الاطباء والممرضات من حولها وشعورها لحساسيتها المفرطة بانها تشغل إنتها عن اطفالها وتصرف صهرها وابنها عن مهام عملهم الجسيمة وتحرجها من تكليف الزائرين ووقفتهم معهم في كل دقائق احتياجاتهم هي جملة الاسباب التي تدفعها لتفضيل تلقي العلاج بالمنزل مما اضطر محمود ان يلبي رغبتها في كل مرة بمغادرة المستشفى شريطة ان يخصص لها ممرضة لمتابعة علاجها منزليا !
في تلك الاثناء كان العروسان السعيدان يقضيان شهر العسل في جولة بدأت بمدينة كسلا ومنها توجها برا الى اسمرا عاصمة اريتريا.
وعلم عبد الله من منير الذي ظل متواصلا معه لمتابعة حالة والدته.. ان عمو العطا قد تمدد في فرض سيطرته على مقاليد الامور بالشركة بعد ان حصل على توكيل من الدكتور بخوله التصرف تحسبا لاي طاري في حالةامتداد فترة غيابه مع عروسته وحلم حياته وقد المح بانهما ربما يعرجان الى مصر بعد رحلة اسمرا..فقد تلقيا دعوة من احد اصدقاء الدكتور وهو يعمل ملحقا كبيرا بالسفارة السودانية في القاهرة.

فجع الشاب عبدالله بفقد والدته الطيبة التقية الحاجة نعيمة التي كتب الله لها ان توارى ثرى مدينة الثغر في موكب حزين و مهيب من كل اصدقاء ومعارف محمود والجيران كما كان لمواساة النساء من صديقات حياة الاثر البالغ في التخفيف من صدمة فقدها الجلل ولم يقصر الشباب من الزملاء في العمل ورفاق الفضاء العام الذين التفوا حول عبدالله لانتشاله من حالة الإكتئاب التي لفته وادخلته في موجة إنكسار و انطواء وعزلة..فاطلق لحيته و وانقلبت احواله راسا على عقب على الرغم من مجهودات محمود لاثنائه عن التسليم بالضعف بعد ان استطاع بحكمته وحنوه الدافق احتواء الحالة المماثلة التي كادت ان تخرج ام عياله الرصينة حياة عن طورها.
ولان الحياة لابد ان تستمر بكل ما يعتري الناس من نوازل وجراحات فقد بدات الأمور تعود الى طبيعتها تدريجيا.. لكن الفراغ الذي تركه رحيل الام الرؤوم والجدة الحنونة بات واضحا في عيون ابناء حياة ومحمود الذين كلما استيقظوا صباحا تجولوا بعيونهم في زوايا الدار بحثا عن تلك اللمسة الرقيقة من حبوبة والتي لا زالت تسرى في اكفهم البضة ونغمة همستها الٱسرة لمشاعر طفولتهم الغضة البريئة توشوش في مساحة مسامعهم المرهفة.
خاصة الابنة الكبرى التي فطرخاطرها فقدها لماما نعيمة التي كانت اكثرهم قربا منها بحكم اقامتها معها للدراسة الجامعية قبل انتقالها الى سكن الطالبات بعد سفر الاهل عنها.
وهي التي جاءت لقضاء العيد بقربها ومع العائلة في بورتسودان.
إلا ان ما زاد في تحسن حالة عبد الله النفسية والعامة انه فوجيء باتصال ينبئه بوصول الدكتور منصور وزوجته سلوى وقد نزلا بمطار الثغر لعدة ساعات فقط في طريق عودتهما من القاهرة فتمكنا من مقابلة عبد الله ومحمود و حياة في صالة العبور لتقديم واجب العزاء وقد حرصوا هم ايضا على الذهاب الى المطار لاستقبالهم وتهنئتهم في حالة تؤكد تماما ان سحابة الحياة الدنيا الراحلة حتما….ماهي آلا زخات
من دمعات فرح وقطرات من دمعات حزن.
فلا رشة عطر الافراح خالدة في ذاكرة شمها.. ولا اعتصارات الاحزان ستقطر الى ما لا نهاية من شرايين مزنها !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى