الأعمدة

الذكرى ال 68 لاستقلال السودان الازرقيون يقولون: لقد قلناها من أكثر من مرة الاستقلال كان كارثة على البلاد!!

"التاريخ منجم زاخر بالحكمة التي قد تجد فيها المفاتيح الذهبية لمشاكل حاضرنا " هنري كسينجر وزير الخارجية الامريكية الاسبق

تهل علينا ذكرى الاستقلال هذا العام والبلاد في أسوأ حالاتها بسبب الحرب الدائرة والتي اندلعت منذ ابريل الماضي فأكلت الأخضر ولم تترك اليابس واعادت بلادنا مئات السنين الى الوراء، هذه الحرب العبثية لم تكن وليدة او بداية للدمار والتردي في البلاد بل هو نتيجة منطقية متوقعة لتراكمات منذ عشرات السنين لفشل واخفاق السودانيين في حكم انفسه منذ مغادرة البريطانيين للحكم في السودان في العام 1955 م
تنويه: يستخدم السودانيون كلمة ” الانجليز ” و ” البريطانيون” بالتبادل باعتبارهما شيء واحد وان كانوا يستخدمون كلمة ” الانجليز ” بأكثر من استخدامهم لكلمة ” البريطانيون ” وفى هذه المقالة قمنا باستخدام الكلمتين بالتبادل كما يفعل السودانيون تجنبا للدخول في تعقيدات المسميات من شاكلة ” بريطانيا و المملكة المتحدة و انجلترا ”
تسمية او مصطلح ” الأزرقيون ” يعنى الانتماء لفكر العم ازرق ويجب عدم الخلط بينه وبين ” الارزقية ” و الازرقية أو الازرقيون هو مصطلح من اجتهادي الشخصي وقصدت به كل من يحمل افكار او اراء تؤمن بان هنالك مشكلة حكم مزمنة في السودان سواء ان كان الحكم عسكري او مدنى او خليط بينهم وان السودانيون قد فشلوا جميعا في ادارة حكم بلادهم والدليل هو الحالة التي وصلت اليها البلاد وان الحل يكمن في الاستعانة بالأجانب غير السودانيين اذ ان هنالك مشكلة تتعلق بطبيعة الانسان السوداني نفسه تمنعه من الحكم السديد !! , وتعود التسمية الى العم ازرق الذى رفض خروج البريطانيين من السودان في العام 1956 كما سوف نرى في هذا المقال. والازرقية تطورت ا كفكرة من المطالبة ببقاء الانجليز في السودان حتى يتعلم الشعب منهم قديما الى المطالبة بوضع السودان تحت الوصاية الدولية مؤخرا وبما ان الكثير من الناس لم يعرفوا او يسمعوا عن العم ازرق فنحن هنا سوف نقوم بالتعريف به وعرض أفكاره من وجهة نظر تحليلية محايدة وليس بالضرورة ان نكون مؤيدين او معارضين” للازرقية”
كنا كثيرا ما نسمع من اهلنا الذين عاصروا فترة حكم الانجليز عبارة” يا حليل زمن الانجليز!!” فمثلا عندنا في الخرطوم بحري كان اهل بحري أيام الحكم البريطاني يمدحون ويثنون على المفتش البريطاني المستر سيمبسون Simpson وكما هي عادة السودانيين فقد قاموا ي بسودنة الاسم فيطلقون عليه المستر سمسم! فقد كان كما يقولون عادلا ونشيطا ومخلص في أداء اعماله وفى عهده شهدت المدينة أفضل الخدمات التعليمية والصحية وله يعود الفضل في ازدهار المدينة وكل من اتى بعده لم يحقق إنجازات بمثل ما فعل الرجل مع استثناء الأستاذ نصرالدين السيد، وغالبية الإداريين البريطانيين في طول البلاد وعرضها كانوا على شاكلة المستر سمسم من حيث الكفاءة والنزاهة والإنجاز!! وهذه الأيام يعلو صوت الازرقيون عاليا بسبب ما تعانيه البلاد من ويلات الحرب، و” الازرقيون” كما ذكرنا جماعة تعتنق أفكار العم ازرق مصطفى والذي كان يعمل جزارا في سوق الشجرة بأمدرمان فقد رفض العم ازرق خروج الانجليز من السودان وقتها في العام 1955 وطالب ببقائهم 20 سنة أخرى ا حتى يتعلم السودانيون كيف يحكمون انفسه لأنهم يفتقرون الى الكفاءة والحنكة اللازمتين لهذا الغرض وكان الرجل شجاعا في طرحه لرايه ذلك سواء ان اتفقنا معه ام لا! فالرجل كان يسبح عكس التيار ويعارض الرأي العام والمزاج السائد الذى كان يطالب بوجوب خروج الانجليز من السودان وان يتم الحكم بواسطة السودانيين اولاد البلد ( السودان للسودانيين ) و ( يا غريب يلا لي بلدك و سوق معاك ولدك و ) “… وفى سبيل ذلك قام العم ازرق بتأسيس حزب اطلق عليه اسم ” تقدم السودان ” وخاض به الانتخابات ويقال بانه قد حصل فقط على 40 صوتا مقابل 20 الف نالها منافسه اسماعيل الأزهري والذى كان وقتها يتمتع بشعبية جارفة وتأييد منقطع النظير وعندها تعرض للسخرية و الاستهزاء و التقليل من شانه من قبل عدد كبير جدا من السودانيين الذين كانوا ينظرون اليه بوصفه عميل الاستعمار و عديم الوطنية وصفات اخرى ليس من اللائق ذكرها , ولكن العم ازرق قال كلمته التي حفظها التاريخ عندما عايروه بال40 صوت التي نالها فقال ” الحمد لله ان هنالك 40 سوداني بيفهموا !! ” . وكانت افكار العم ازرق في غاية البساطة فهو يقول بانه مواطن سوداني بسيط يحب بلده و يتمنى لها ولشعبها كل خير و يريد ان يراها في مقدمة دول العالم وان الإنجليز هم من علموا السودانيين اشياء لم تكن موجودة قبل دخول الانجليز ( فترة حكم المهدية ومن قبله الاستعمار التركي) الى السودان مثل المدارس و مؤسسات التعليم و المستشفيات و مؤسسات الرعاية الصحية و خدمات الكهرباء و الماء و تخطيط المدن وبناء الخزانات و المشاريع الزراعية و المصانع و خدمات النقل و المواصلات السكك الحديدية النقل الجوي و النهري و البحري وقائمة طويلة من الانجازات التي لا ينكرها الا مكابر , وتبقى امرا واحدل لم نتعلمه منهم وهو كيف نحكم بلدنا ! ولهذا فيجب ان يبقى الانجليز لمدة 20 عاما اخرى حتى يتعلم أبناء السودان من البريطانيين كيف يحكمون بلدهم! وهذا يعنى على حسب ما طالب به العم ازرق بان يستمر الانجليز في حكم السودان حتى اواسط السبعينيات من القرن الماضي! ومن ضمن مآخذ العم ازرق على حكم السودانيين هو انهم يحسدون بعضهم البعض و لا يحبون ان يروا من هو احسن منهم، وفى هذا الصدد فقد ذكر المرحوم ابراهيم منعم منصور في مذكراته بان والده الناظر منعم منصور ناظر عموم قبائل الحمر في الادارة الاهلية انه قد أقام حفل وداع للمفتش الإنجليزي في غرب كردفان بمناسبة مغادرته النهائية للسودان في ايام الاستقلال، وفى هذه المناسبة قام المفتش الإنجليزي بسؤال الناظر منعم إن كان السودانيون يستطيعون إدارة بلادهم بالكفاءة اللازمة عقب خروج الإنجليز؟ فأجابه الناظر نعم نستطيع فهذه جارتنا إثيوبيا حكمت نفسها فلماذا نفشل نحن؟ فرد عليه المفتش الإنجليزي لن تنجحوا والسبب هي ظاهرة سيئة عندكم قوامها الحسد، وأردف قائلاً سأضرب لك مثالاً ومقارنة بيننا وبينكم فنحن في بلادنا إذا وجد شخص شجرة مثمرة نادى آخرين يشركهم في إنتاجها والاستفادة منها أما أنتم في السودان إذا وجد شخص شجرة مماثلة فإنه يعمل على الاستئثار أطايبها وحده. ثم أردف قائلاً للناظر قد لا تعلم إننا كإدارة بريطانية ظللنا نتسلم رسائل سرية من أشخاص يشتكون – حسداً – بعضهم بعضاً ولن أسرد لك أسماءهم حتى لا تكون فتنة.
ونواصل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى