الأعمدة

الخروج من “الجنة” والدخول إلى “النار” !

الملفت في الجرائم الصهيونية التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة ، أن أحدا من العرب لم ينتفض على الأرض لنجدتهم سوى حزب الله والحوثيين .. الأول بإجبار إسرائيل على حشد ثلث قواتها في الشمال المواجه له، بقواعد اشتباك محددة من الطرفين، وقصف صاروخي للحشود العسكرية ومراكز قيادة الجبهة الشمالية في الجيش الإسرائيلي .. الحوثيون في اليمن، الطرف الثاني، المنتفض لنجدة أهالينا في غزة، يمنعون عبور السفن الإسرائيلية أو التي تحمل بضائع متجهة إلى موانيء فلسطين المحتلة ، وبحسابات الحوثيين، قد تنجح أفعالهم في االبحر الأحمر في صعود مؤشر ” اتساع الحرب” إلى مستويات خطرة، ما يدفع أمريكا إلى الضغط على إسرائيل من أجل إنهاء عملياتها العسكرية في غزة.

ـ لم يجرؤ أحد من العرب على رفع السلاح أمام أمريكا وإسرائيل سوى حزب الله والحوثيين، والإثنان عرب من الشيعة، هما فقط اللذان يمدان يد السلاح إلى أهالينا في غزة ، لعلها تنجح في إيقاف المجازر والمذابح هناك .. لكن من هناك؟

لا يوجد غير السنة، هم كل سكان غزة تقريبا .. حتى المقاومة الفلسطينية المسلحة، يقودها فصائل حماس، الجهاد، وألوية صلاح الدين، جميعها ينتمي للمذهب السني المعادي للمذهب الشيعي .. وإلى جوار أكتافهم ، فصائل اليسار الفلسطيني من الجبهة الشعبية وفتح وغيرها .. باختصار لا يمد عربي من أهالينا “السنة” يد السلاح لأهل “السنة” في غزة ، فقط أهلنا من “الشيعة” العرب ، من يمد يده لأهلنا “السنة” العرب.

ـ لم يلتفت أهلنا من الشيعة في لبنان واليمن إلى “الموقف” العدائي التاريخي من السنة، ولم يشمتوا في هؤلاء الذين يعيشون في رغد ونعيم ، قياسا إلى أحوالهم التي تحاصرها الولايات المتحدة منذ سنوات وتضعهم على لوائح الإرهاب.. في الوقت نفسه ، هناك تيارات من أهل السنة تتشدد وتتهم أهلنا العرب من الشيعة بالكفر، وما يزالون ، غير ملتفتين إلى أنهم ساندوا ، ودعموا ، وضحوا بالنفس ، من أجل السنة.

ـ قد يسارع البعض منا ويفسر السلوك “الشيعي” المقاوم لإسرائيل وأمريكا، كونه ذراعا لإيران، إلا أن الحقائق على الأرض تؤكد أن الموقف “الشيعي” من غزة ، ليس وحده الذي يناصر ويدعم أهلها، إنما أيضا الشعوب التي تعتنق ديانات أخرى غير الإسلام ، المسيحيين ، اليهود ، الوثنيين ، الزراديشتيين ، البوذيين في أسيا ، والملاحدة في العالم ، انتفضوا من أجل غزة ، فكيف لهؤلاء “الكفرة” أن ينصروا أهل السنة؟

لا فرق بين مسيحي وشيعي وسني ودرزي، أو من أي ملة أخرى، عند الأمريكان والصهاينة فكلهم عرب، يؤيدون ويدعمون حزب الله، عدو إسرائيل اللدود.

بالدين ، “يلعب” الأمريكيون في”الدماغ العربي”، ويعبثون في “قوامه” السياسي ، بصناعة أعداء وهميين لهم ، لاستنزاف “مواقفهم” الوطنية قبل أموالهم وثرواتهم ، وتقسيمهم (مرة أخرى) إلى ممالك وإمارات متصارعة من الطوائف والمذاهب والأديان ، تفرغ فيما بينها ، عداواتها الموروثة منذ زمن غابر ، ويوجهون أسلحتهم لبعضهمم البعض ،بعيدا عن إسرائيل ، لتمضي الأخيرة إلى مشروعها الاستيطاني التوسعى دون ضجيج أو إزعاج.

أزاحت حرب غزة الإجرامية، الغمامة “الدينية” عن شعوب الأرض التي تنحاز إلى الإنسانية والحرية والمساواة والعدالة ..

ـ سقطت القنابل على غزة لتدمرها وتقتل أهلها، ودمرت معها الفكرة البلهاء (السنة والشيعة) إلى الأبد، وأثبتت وهمها ، وانها كانت وسيلة ، وما تزال للاستعمار الصهيوني، بمشاركة أمريكا والغرب، لضرب العرب، ونهبهم وإخضاعهم (بمذلة) للهيمنة الإسرائيلية.. علينا النظر بإمعان وروية في “بنية” حلفائنا وأعدائنا ، وضرورة إعادة تشكيلها وتأسيسها على قواعد المصالح الوطنية لدول تقع تحت الابتزاز الأمريكي منذ عقود طويلة، بعيدا عن الخلافات العقائدية والمذهبية .لا .

ـ علينا إجراء حوار استراتيجي مع إيران، على قاعدة “وحدة الأعداء ” وفكرة “أنا واخويا على ابن عمي وانا وابن عمي على الغريب” .. إيران لن تكون أبدا ، أخطر وأجرم علينا من إسرائيل وأمريكا ، وعلينا أن نحرق معها أوراق الماضي الغابر الذي “قبرنا” في نفق دامس الظلام ، يبارز فيه السني أخاه الشيعي ، حتى لا يدرك أحدهما أهلنا في فلسطين عندما تحين ساعة الصفر الصهيونية.

لا “السنة” ولا “الشيعة” يدخلان الجنة ، وإذا بقى كل طرف على “ثوابته” الفقهية ، فتأكدوا إننا معهم إلى النار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى