الأخبار

العربي : ما وراء تحريك إجراءات قانونية مفاجئة ضد قيادات سياسية في السودان وما القادم؟

فوجئت الأوساط السياسية السودانية بقرار السلطات، الأربعاء، تحريك إجراءات قانونية في مواجهة قيادات سياسية وناشطين، بتهم التعاون مع قوات الدعم السريع. وكان مجلس السيادة السوداني قد شكل لجنة وطنية لملاحقة جرائم قوات الدعم السريع وانتهاكاتها خلال الحرب التي اندلعت العام الماضي بين الجيش وقوات الدعم السريع، وشارفت على إكمال عامها الأول منتصف الشهر الجاري. وتوصلت اللجنة، أمس الأربعاء، إلى فتح بلاغات جنائية أمام نيابة مدينة بورتسودان ضد قيادات بتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية التي يترأسها عبد الله حمدوك، باتهامات تصل عقوبتها إلى الإعدام أو السجن المؤبد.

وتضم التنسيقية أحزاباً سياسية ونقابات ومنظمات مجتمع مدني وشخصيات مستقلة، وتقول إن هدفها هو وقف الحرب ومواصلة التحول الديمقراطي، الذي دشن عقب سقوط نظام الرئيس المعزول عمر البشير في العام 2019. ووقع تحالف التنسيقية في مطلع يناير/كانون الثاني الماضي على إعلان سياسي ينص على وقف إطلاق النار والبدء في مفاوضات لإنهاء الحرب، والبدء في عملية سياسية، وطلب بالمقابل اجتماعا مع قائد الجيش رئيس مجلس السيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان للوصول معه إلى تفاهم مماثل.

إلا أن الجيش وأنصاره من القوى السياسية اتهموا تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية المعروفة اختصارا بـ”تقدم” بالتحالف مع الدعم السريع في حربه ضد الجيش، من أجل العودة إلى السلطة التي فقدتها عقب انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021. وشملت قائمة الاتهامات التي يتهم بها القيادات السياسية جرائم في ست مواد من القانون الجنائي تتصل بالتحريض ضد الدولة، والمعاونة والمساعدة والاتفاق في الجرائم الموجهة ضد الدولة والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، والإبادة الجماعية وتقويض النظام الدستوري.

وضمت قائمة المتهمين، إضافة إلى عبد الله حمدوك، ثلاثة من أعضاء مجلس السيادة السابق، وهم الهادي إدريس والطاهر حجر ومحمد الفكي سليمان، ورؤساء أحزاب سياسية أبرزهم فضل الله برمة ناصر رئيس حزب الأمة، وعمر الدقير رئيس حزب المؤتمر السوداني، وبابكر فيصل رئيس حزب التجمع الاتحادي، وياسر عرمان رئيس الحركة الشعبية التيار الثوري، وثلاثة من أبناء رئيس الوزراء الأسبق الصادق المهدي، الصديق ومريم وزينب، وكذلك أمين عام حزب الأمة القومي الواثق البرير ووزير مجلس الوزراء خالد عمر يوسف وآخرون.

تهم سياسية
يؤكد شهاب إبراهيم، القيادي بتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية، أن قرارات ملاحقة القوى المدنية من خلال تلك البلاغات “ليست له قيمة تؤثر على مساعيهم لوقف الحرب”. وأكد إبراهيم، لـ”العربي الجديد”، أن القرار هو واحد من قرارات عديدة تتضارب فيها مصالح المجموعات في حكومة الأمر الواقع، وتعهد بمواصلة “تقدم” جهودها لإيقاف الحرب، مبينا أن الاتهامات في طابعها “سياسية، وهو أمر معيب وينم عن استعمال القانون لتصفية الخصومة السياسية، بينما كان من الأولى القبض على المجرمين المطلوبين للقضاء في جرائم ضد الإنسانية من عناصر النظام البائد”.

أما شوقي عبد العظيم، وهو صحافي ورد اسمه ضمن قائمة المطلوبين بواسطة النيابة العامة، فيقول من جهته، لـ”العربي الجديد”، إن الاتهام الموجه له ولغيره هو “اتهام سياسي في المقام الأول وليس للاتهامات أي سند قانوني في ظل هذه الظروف، وليست لديهم أي طريقة للتعامل معه ولن نهتم بذلك، لأن الظروف غير طبيعية، حيث لا توجد نيابة ولا حكومة قائمة في الخرطوم، وفي النهاية، هو محاولة لاستخدام سلطة الأمر الراهن أجهزة الدولة للتشويش على القوى السياسية والصحافيين المناهضين للحرب”. وأضاف عبد العظيم أنه سبق أن حركت الأجهزة نفسها إجراءات قانونية لم تنفذ لأنها ذات صبغة سياسية ولا تستند إلى سند حقيقي، موضحا أن الحديث عن تقويض النظام الدستوري هو مسار سخرية لأن النظام الدستوري تم تقويضه في 25 أكتوبر بأيدي طرفى الحرب الآن عبر انقلاب عسكري، موضحا أن الفكرة الأساسية لاتفاق تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية هي إنهاء الحرب، على أن يتحول لاتفاق ثلاثي يشمل الجيش والدعم السريع و”تقدم”، وجرت مخاطبة البرهان لكنه لم يستجب.

يستبعد المستشار القانوني أشرف خليل مضي الدعوى الجنائية لنهايتها

أما المستشار القانوني أشرف خليل فيستبعد، في حديث لـ”العربي الجديد”، مضي الدعوى الجنائية إلى نهايتها، وتوقع العودة في وقت قريب إلى إجراء التسويات السياسية وشطب تلك الدعاوى الجنائية بينما يبقى جرح العدالة غائراً، على حد قوله. ويوضح خليل أن قواعد القانون معلومة وأنها توضع عامة مجردة وتطبق على كل الناس وكل الوقائع من دون تمييز، ولا تمس شخصاً بعينه وإنما تنشأ بعيداً عن الأمزجة والأهواء”. وأضاف أن “القاعدة القانونية تخاطب أفراد المجتمع بصفاتهم لا بذواتهم، ولا يجوز التعامل مع القانون وأدواته بمدخل رغائبي لتفصل مواد التجريم على الفئات المتغلبة والتي يتحكم فيها المناخ السياسي”، مشيراً إلى أنه وحينما يُستغَل القانون لتصفية الخصوم ولتمريغ الجباه، فإن ذلك يساهم في إضاعة قيم العدالة، مسترجعا التاريخ قائلاً: “في 25 أكتوبر، حشرت قيادات سياسية في السجون واتُّهموا بارتكاب جرائم سياسية وأطلق سراحهم في إطار صفقة سياسية”. ويختتم بالقول: “استخدام مخالب القانون على نحو فاسد يضر أول ما يضر بثقة الناس بالمؤسسات العدلية واحترامها، لذلك تبدو الحاجة ملحة الآن أكثر من أي وقت لفصل وظيفة النائب العام واستقلاليته بعيدا عن دولاب الحكومة وأيدي السياسة بتقلباتها المعلومة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى