*المسؤولية المجتمعية.. (هذا وقتها)*
مع بدء الحياة على سطح الأرض بدأ الإنسان يتطلع إلى المستقبل ، فلم يجد إلا التعايش والتعاون مع الآخرين كأساس يضمن له الإستمرارية والبقاء . من هنا كانت البدايات الأولى للمسؤولية المجتمعية التي تشكلت مع نشأة المجتمعات وتطورت مع تطور الحضارات . ارتبطت فكرة نشوء المسؤولية المجتمعية مع قيام المشاريع الصناعية، واعتقاد رجال الأعمال بأنهم يمتلكون هدفاً واحداً يسعون إلى تحقيقه ، وهو تعظيم الأرباح .
وفى ظل المتغيرات المتسارعة التى يشهدها العالم فى مختلف المجالات ، برز مفهوم المسؤولية المجتمعية ، كوسيلة لتحقيق الشراكات الفاعلة والحقيقية بين الأجهزة والمؤسسات الرسمية والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني ، مما شكل ظاهرة إيجابية أحدثت حراكاً وسط المجتمعات المختلفة .
ونجد أن مجلس الأعمال العالمي للتنمية المستدامة والمسؤولية الإجتماعية عرّف المسؤولية الاجتماعية على أنها : الإلتزام المستمر من قبل شركات الأعمال بالتصرف أخلاقياً والمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية والعمل على تحسين نوعية الظروف المعيشية للقوى العاملة وعائلاتهم ، والمجتمع المحلي والمجتمع ككل .
برز مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات بعد أن أدركت مؤسسات القطاع الخاص أنها غير معزولة عن المجتمع . وتنبهت إلى ضرورة توسيع نشاطاتها لتشمل ماهو أكثر من النشاطات الإنتاجية ، مثل هموم المجتمع والبيئة .
إن المسؤولية المجتمعية تعتمد على المبادرات الحسنة من القطاع الخاص سواء كان شركات أو رجال الأعمال دون وجود إجراءات ملزمة قانونياً . لذا فإن المسؤولية المجتمعية تتحقق من خلال الإقناع والتعليم .
ومن المتفق عليه أن الشركات التجارية والاقتصادية والمالية الوطنية والدولية ، على حدٍ سواء ، ليست بشركات خيرية وأن هاجسها الأول تحقيق أكبر عائد من الربح على أصحابها . هنا تبلورت فكرة وجوب تذكير الشركات بمسؤولياتها المجتمعية والأخلاقية حتى لا يكون تحقيق الربح عائداً عن أمور غير مقبولة أخلاقياً أو قانونياً .
إن قيام الشركات بدورها تجاه المسؤولية الإجتماعية يضمن إلى حدٍ ما دعم جميع أفراد المجتمع لأهدافها ورسالتها التنموية والإعتراف بوجودها ، والمساهمة في إنجاح أهدافها وفق ماخطط لها مسبقاً ، علاوةً على المساهمة في سد احتياجات المجتمع ومتطلباته الحياتية والمعيشية والضرورية .
وبهذا الشكل فإن المسؤولية المجتمعية تتمثل في تحقيق التأثيرات الإيجابية لمصلحة المجتمع، وفي الوقت نفسه يتم تحقيق الأرباح على الأمد الطويل ودون أن يكون هناك تعارض ما بين الهدفين أو تفضيل هدف الربح على إنجاز الأنشطة التي تسأل عنها منظمة الأعمال . والمسؤولية المجتمعية على الرغم من أنها تكوين ذاتي يقوم على نمو الضمير – كرقيب داخلي – إلاّ أنها في نموّها نتاج اجتماعي يتم تعلّمه واكتسابه.
وبالرغم من استناد المسؤولية المجتمعية على نمط سلوكي أو فكرة أخلاق عالمية ، إلا أن الحاجة لها ولآلياتها لا تستند على الوعظ أو الإرشاد أو التأنيب ، وإنما تستند على تحقيق المصالح المشتركة وحفظ الحقوق دون حصول أي ضرر للشركاء (جلب المنفعة أولاً ، وتلافي الضرر ثانياً) .
وتسعى المسؤولية المجتمعية للتوفيق بين استراتيجيات الأعمال وعملياتها مع القيم العالمية . والمسؤولية الاجتماعية للشركات نجدها تشمل الأعمال الخيرية ، ولاتقتصر عليها .
وبالنظر إلى تعاليم ديننا الحنيف نجد توافق مبدأ المسؤولية المجتمعية من حيث دفع الضرر وجلب المنفعة التي قد تكون في الدنيا أو يؤخرها الله سبحانه وتعالى للمسلم في آخرته (مثلاً) إماطة الأذى عن الطريق حسنه ، كقيمة دينية والتي لاتنظر للربحية المادية فقط ، وإنما لربحية سامية لايدرك مداها حساب البشر. كيف لا؟ والآن تتعاظم قيمتها ، فالمسؤولية المجتمعية هي الآن لقمة في فم طفل جائع ، وقطرة دواء لمريض فارق دياره ، وهي بسمة على شفاه المحزونين.
فاليوم وبلادنا تشهد أعنف موجات الفقر والنزوح والفاقة ، باتت الحوجه لتطبيق أخلاقيات المسؤولية المجتمعية ، أكثر من ذي قبل ، فالشركات والمؤسسات التي كانت تنشط في برامج من باب المسؤولية المجتمعية عليها اليوم أن ترتفع بمستويات التخطيط والتنفيذ والتمويل لتغطية كل الشرائح السودانية التي عصرتها الحرب اللعينة .
وأحسب أن على كل شركة أو مؤسسة قطاع عام أو خاص إن لم تقم بتنفيذ مشروعات لخدمة المجتمع الآن وفي هذا الوقت أو تحدثها نفسها بذلك أن تكتب شهادة وفاة لها في أذهان المجتمع ، الذي بالتأكيد لن ينسى ولن يغفر بعد إنجلاء هذه الغمة .
دعونا نمضي بمجتمعنا نحو الأمان والسلام من خلال تطبيقنا لأخلاقيات المسؤولية المجتمعية في هذا الوقت العصيب والعصيب جداً.