في ديار الشنخاب بمني… حتما سنحصد الثمار.
من امدرمان عبر سد جبل الأولياء اتجهنا جنوبا إلى النيل الأبيض. ومن ثم مرورا بالدويم إلى جزيرة ام جر.
نبات البوص والعشر وشجر الطلح. الهشاب وأشجار السنط والمسكيت والهجليج والسدر على مد البصر.
تلال صغيرة من الرمال وأعمدة الكهرباء مغروزة فيها. ولافتات على الطريق السريع. مزارع الذرة الرفيعة. الخضروات والطماطم. القمح. الأرز. والبطيخ.
عمر سائق البي واي تي الصفراء التي تقلنا يحكي عن الذكريات. إلهام. ليلى وأمير وشبكة النت المافي.
شارع الخرطوم… كوستي كحية رقطاء مبرقعة. حفر ومطبات على طول الطريق. بصات الصداقة وتباريح الآتية من الأبيض ابوقبة تزحم الطريق بتجاوز نزق.
كانت رحلة شتائية بازخة ومدينة مني كجزر الواق واق في المخيلة. وكأنها فاس الماوراها ناس.
بعيدة وصعبة المنال.
كمناديل التيشوز تبدو نعيمة وود إلزاكي. الكوة والقطينة جنة بلال. حضارات سادت ثم بادت وأضحت أطلال.
بنطون الكريدة… الكوة. كسفينة نوح فيه من كل زوجين اثنين. حيوانات وناس ونبات عربات وبهائم.
يتيمن الناس هنا بالأماكن المقدسة في الحجاز.. عرفة. الطائف. مني. مزدلفة. ويسمون عليها قراهم والفرقان.
والنيل الابيض المهيب يمتد حتى الجانب الآخر من الدنيا.
في كبرياء وانفه. على مد البصر تجد المراعي الخضراء عطاءا ونماء.
تسمع أصوات الذكر راتبة في الكريدة وشبشة الشيخ برير. وفي الريفية ومبروكة وبخت الرضا يردد الفتية انا سوداني. والصبايا ينشدن عازة في هواك. وينتشي الكون. وتطل الجغرافيا مشاريع الاعاشة في وكرة. الدبيبة. عويوه. أم عقارب. ابقر. ودنمر.
هنا حيث قدل الشهيد بله. وسار ابوالبشري. وطاف المهدي الإمام.
قابلنا القوم بترحاب وافر وكرم فياض. بتبشار سلموا علينا بالاحضان وغمرتنا الدنيا بالمسره. رحب بنا ودالبيه آدم والبشير قنطور. والصادق بشير بلال.
في جبل العرشكول تحس بالطمأنينة والعظمة والبهاء والشموخ معا. وتشهد عجال لاقن.
والغرانيق تسبح في فضاء الله الواسع. يخفق طائر السمبر اجنحته مرحا. تغطي أجنحة طير الرهو أشعة الشمس.
في كتير بلة تجد الجمال الزاهي والحسن الفريد وتقيل في ام عقارب.
وفي ابوقصبة ترتشف رشفة من الماء الزلال. وفي بوجو يحلو السمر. ولاتختلط عليك الأمور بعد شرب قهوة محلاة من البن.
يوحل عمر في الدقيناب. وعلى البعد ترى السعد منتشر. الستيب. وأم بانقيقا. وعلى أنغام البلابل نحلق عاليا ونحن على مشارف ود شلعي نتزود بالفسيخ الماخمج والجبنة المضفرة وذاك الشجن تتمدد الأحلام. وتتمتع. دلع نفسك وتجدع.
محمد فرص بضحكته الباهره رحب بنا على طريقته الخاصة. أكلنا معه السمك الشهي في الدويم. متبل بالشمار والتوم. حار وطاعم.
وكان لابد أن تنتهي الرحلة الحلم. لحظات السعادة لاتدوم شلعت كبرق خاطف لاح ثم تلاشت.
منظر الماشية بالوانها المتعددة وهي ترعى في المروج الخضراء. الأبقار والضأن وصغار الماعز. والقرى الحانية المتناثرة على مد البصر.
الحياة هنا ودودة ورتيبة وتسير كما هي قبل الف عام مليئة بالأمل والحب والشجن. ينمو الكرم والسخاء والرخاء والبهاء هنا. وحتما سنحصد الثمار.