الأعمدة

السودان يعيش المأساه !! معاش الناس أصبح مستحيلاً والمعاناة فاقت الحدود

بقلم : بابكر عيسى أحمد

طوبى للذين رحلوا قبل أن يعيشوا مع أهلهم المأساه التي يعيشها الشعب السوداني الذي بلغت معاناته حدود لا يتخيلها أحد … طوبى للراحلين -نسأل الله لهم الرحمة والغفران- فقد كان رحيلهم أرحم من أن يروا ويعيشوا عذابات أهلهم التي تجاوزت كل الحدود.
تطورات متلاحقة يعيشها السودان الوطن لعل أخطرها إطلاق سراح أكثر من 20,000 سجين من سجون الهدى وكوبر وسوبا والأبيض وأم روابة وبورتسودان ليعيثوا فساداً في شوارع وأزقة المدن التي يفترض أن تكون أمنة ويتحدث كثيراً من الأهل عن حالات الفوضى التي يخلقها هؤلاء السجناء المدان بعضهم بأحكام جنائية تصل إلى درجة الإعدام.
هذا جانب من الصورة والجانب الآخر يتمثل في معاش الناس وغياب الخبز وارتفاع الأسعار وندرة السلع وانعدام الوقود فيما تتعالى الأصوات مطالبة بإيقاف هذه الحرب اللعينة التي دمرت الأسواق وأحرقت المتاجر وجعلت الممكن مستحيلاً في ظل خروج المشافي عن الخدمة وتوقف عمل الصيدليات وانقطاع امدادات المياه والكهرباء عن الأحياء والمصانع التي كانت تقدم القليل من سلاسل الإمداد من السلع الضرورية التي تعالت أسعارها بصورة جنونية اذا ما توفرت في أوقات الهدنة القصيرة و المنتهكة.
العديد من القصص والحكايات تدمي القلوب وتجعل الدمع يتحجر في المآقي، أن يقتل طبيب إستشاري في مقتبل العمر طعناً بالسكين في ليل داهم وتوفى في الطريق إلى أحد المشافي البعيدة، وأسرة في حي المعمورة سقطت دانة فوق منزلهم فقتلت الأب والأم وطفلين فيما أصيبت الإبنة الطبيبة بإصابات خطيرة … إنها الفوضى اللعينة التي تعبث بحياة الناس بمنتهى السخرية والإستخفاف.
رؤية الأسواق المحترقة وصوامع الغلال المنهوبة تثبت أن العاصمة القومية أصبحت مستباحة من قبل المليشيات المتمردة التي يجب أن يوضع حداً لإنفلاتها في أسرع وقت ممكن وأن يعود الأمن والأمان للناس.
المفاجأة الكبرى هي إخراج رموز النظام البائد الذي أزاحته ثورة شعبية باذخة هم عمر البشير ونافع علي نافع وعلي عثمان طه وأحمد هارون وعبدالرحيم محمد حسين ورامبو والخنجر وآخرين فيما يلهو علي كرتي في الساحات إلى جانب أنس عمر والكثيرون من أدوات نظام الإنقاذ البائد الذي أذاق الشعب السوداني الهوان وجعله منبوذاً دولياً وإقليمياً.
مصالح الكبار ما زالت تدور حول أرض السودان وثرواته ولايمكن الثقة بأحد في ظل هذه المناخات الضبابية حيث لا يعرف أحد من القاتل ومن المقتول ومن الذي أشعل الحريق فيما تبقي السلطة هي الهدف الأسمى.
حليب الأطفال ليس متاحاً وحتي الأدوية المنقذة للحياة باتت شحيحة وبأسعار فلكية فوق طاقة البسطاء من الناس المحتاجين لها في ظل الندرة والإنعدام … ليس هناك رفاهية بعد أن تساوى الفقراء والأغنياء نتيجة انعدام السيولة وإغلاق البنوك وعدم عمل الصرافات وتوقف حتى تجار العملة عن السمسرة.
إن وصفنا حال الناس البسطاء بأنه كارثي فليس هناك مبالغة في ذلك، فإلى جانب هذه المعاناة المتعاظمة أطلت على السطح ظاهرة مقلقة هي ظاهرة النهب التي يشارك فيها الجميع بلا استثناء، خاصة نهب المنازل التي هرب أصحابها بحثاً عن الأمان عند الأهل في الأطراف أو عبر الحدود في الدول المجاورة وهي معاناه ممتدة تستغرق الساعات والأيام الممدودة في ظروف غاية في البؤس والقسوة.
واهمون الذين يعتقدون أن الليل سينجلي وسط التقاطعات الدولية والإقليمية والخوف كل الخوف كما أشرت في أكثر من مقال من مخاطر التشطير وتقسيم السودان إلى دويلات متشاكسة، فلن يكون بمقدور الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي في ظل الفيتو الروسي والصيني المشرع أن يفعلا شيئاً ولن ينقذ السودان سوى أبناؤه وكنداكاته فقط بعد أن يتم كنس كل الطبقة السياسية التي أورثتنا هذا الهوان، فالمستقبل رغم قتامة الواقع في أيدي أبناءنا الشباب ركائز الحاضر ومشاعل المستقبل.
حدثني صديق عبر الأطلسي متمنياً أن يكون فيما يحدث في السودان خير كثير لأهله بعد أن عايشنا تجربة ليبيريا ورواندا التي حررت الشعب من الطبقة السياسية الفاسدة والطبقة العسكرية الباطشة، ولعل الفجر يخرج من تلك الظلمة.
السودان عانى طويلاً وكثيراً منذ الإستقلال بين أنظمة عسكرية باطشة وأنظمة مدنية بائسة وعابثة أطالت عمر معاناة هذا الشعب الصابر والصامد على يد أبنائه الذين توسم فيهم خيراً فبتروا اليد الممدودة لهم بالخير والرفاء والتسامح.
قال البروفيسور أمين على التوم أن عبارة “عفا الله عما سلف” يجب أن تشطب من قاموس السياسة السودانية وأن كل من أفسد وأساء لهذا الشعب الأبي يجب أن ينال جزاءه حتى يصبح عبرة للآخرين ودرساً يجب أن يستوعبه الجميع.
حرصت في هذه المقالة أن أركز على معاناة الإنسان البسيط الذي يفتقر إلى أبسط مقومات الحياة وأن ابتعد بقدر الإمكان عن ماهو سياسي ومن فعل بمن، وإلى أين المسار في تلك الغابة من الأسلحة المشرعة في وجوه الجميع.
واتمنى أن تحسم القوات المسلحة السودانية هذا العبث بحياة الناس واستقرارهم وأن يكون هناك جيشاً واحداً يحمي البلاد ويزود عن حياضها وحدودها وشرفها وقد أعلنها ثوار ديسمبر “الجيش إلى الثكنات والجنجويد ينحل” وهذا ما نأمله ونتمناه.

الأحد : 30/4/2023

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى