الأعمدة

الحال من سيء لأسوأ ما لم…. جعفر عباس

جعفر عباس
لم يصدر عن أي من الطرفين المتحاربين في عاصمة بلادنا ما يشي بأنه موشك على الانتصار، بل توقفا خلال الأسبوعين الأخيرين عن إصدار بيانات عبر وسائل الاعلام التقليدية، واكتفيا بالتسريبات عبر واتساب، الذي علمتنا التجارب ان التعامل مع كثير من محتوياته ينبغي ان تكون بموجب “إذا جاءكم فاسق بنبأ…..”
ولكن ما هو مؤكد ولا يحتاج لبيانات هو ان عدد الضحايا المدنيين ما بين قتيل وجريح في مدن العاصمة الثلاث يربو على 6000، وأن معظمهم مات وجرح بالقذائف والرصاصات الطائشة، وأن جميع- أكرر جميع- الأسواق قد تعرضت للنهب والحرق، وان العشرات من النساء تعرضن للاغتصاب، وأن الكثير من الأحياء السكنية صارت بيوت اشباح بعد ان هجرها أهلها بعد التعرض للعدوان، أما أهل الجنينة فقد قتل منهم اكثر من 600 وجرح الالاف، وما زال القتال فيها مستعرا
وكما كان الحال في ظل حكم الكيزان فجماعة الدعم السريع من جهة والجيش من جهة أخرى وكلما اطلقوا قذيفة هتفوا “الله أكبر”، ثم رأينا المئات ينهبون مستودعا ضخما للبضائع وهم يهتفون “الله أكبر”، بينما ملايين المواطنين الذين يلعلع الرصاص فوق رؤوسهم ويخترق بيوتهم وأجسادهم يصرخون “حسبنا الله ونعم الوكيل”، فما لهم غير الله من وكيل
أيام قليلة ويصبح ما تبقى من متاجر هنا وهناك خاويا على عروشه، ويبني العنكبوت بيوته في الجيوب، وتبدأ أعوام الرمادة فيعيش الملايين في مجاعات “سنة 6” الجديدة، فيهرب ميسورو الحال الى بلاد يجدون فيها الأمان والطعام والدواء، وتهرب معهم أموالهم، فما من صاحب مال قلّ أو كثُر، ابن بلد او أجنبي سيفكر في الاستثمار في بلد يتقاتل كباره على السلطة بالسلاح في قلب العاصمة، أما المأساة الكبرى التي خلقتها هذه الحرب فهي تجريف الوازع الديني والأخلاقي، وتحويل أناس عاشوا شرفاء حينا طويلا من الدهر الى لصوص ومجرمين يعصون الله وهم يهتفون الله أكبر
تقليل الخسائر في الأرواح والممتلكات والأخلاق يستوجب العمل على وقف الحرب بأسرع ما يمكن بالضغط والرفض الشعبي، فهناك جهات خارجية تريد للحرب ان تستمر، او تريد إنهاءها بترتيبات تجعل الخيوط في ايد غير أمينة، وقوات الدعم السريع ورغم أنها تسيطر على عدد من المواقع المهمة والسيادية والخدمية لا شك تدرك أن هزيمتها في العاصمة حتمية، ومن ثم فسترحب بالتفاوض لوقف الحرب، ولا نريد لجيشنا الذي تركه الكيزان مخلخل الأوصال ان ينزف المزيد من دماء رجاله وقواته، ولا أن يواصل في استخدام الأسلحة الثقيلة داخل المدن، والراجح هو ان عبد الفتاح البرهان قائد الجيش، الذي لم يفتح الله عليه بكلمة يقولها للشعب حول الحرب ومآلاتها يريد ان يحقق نصرا جزئيا قبل التفاوض حول وقف الحرب، ولكن وفي كل يوم تستمر فيه الحرب يرتفع عدد القتلى والجرحى والنساء المغتصبات والممتلكات المنهوبة والأطفال الذين يعانون من اضطرابات نفسية
إذاً لا للحرب ولا لجيوش القطاع الخاص، (حكومة الكيزان أنجبت الدعم السريع وتولى البرهان تربيته ورعايته وعَلَّمه الرماية “فلما اشتد ساعده رماه”)، وكل ذي حس وطني سليم يرفض وجود الدعم السريع تحت قيادة عائلية او غير عائلية، وبالإمكان استئصال الدعم السريع بالإجماع الوطني بعد وقف الحرب: إما ان يرضى الدعامة بحل يقضي بدمج بعض عناصره في الجيش وتسريح البقية بمعروف، وإما سيحمل الملايين في كل انحاء السودان ما تيسر من سلاح لإنهاء اسطورة الدعم السريع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى