الأعمدة

الزمالك مدرسة آيلة للسقوط!

لم تعد “مدرسة”في ظل الإدارة الحالية،ربما تكون أقرب إلى “ملجأ” كروي ..ملجأ يهرول إليه اللاعبون إتقاء لمخاطر الفقر والعوز،وزمن بلا أمان ، لا أكثر ،ولا أقل…هي الواقعة الفريدة من نوعها التي يساند فيها ناظر مدرسة تلاميذه المعتدون بالضرب والإهانة على آخرين ،يستضيفهم وتلاميذه ،بكل ود واحترام .
صحيح أن اعتذار الزمالك محمود ومطلوب ،لكنه لا يلغي حقيقة، أنها المرة الأولى في تاريخ القلعة البيضاء يتم خلالها الضغط على رئيس النادي لإبداء الندم والأسف لدولة شقيقة..حتى أصدفاءنا غير الأشقاء ،لم يسجل التاريخ ولو مرة وحيدة أن الزمالك،أو أي نادي مصري قدم اعتذارا لدولة باسمه وباسم مجلس إدارته ..نادي الزمالك ،صاحب الصيت والجاه في الإقليم الأفروأسيوي،يقدم اعتذار محمودا، جاء مضطرا ،تحت ضغط شعبي هائل،وتوبيخ رسمي من التأخر في الاعتذار.
بيد أن الذي كسر “نِفسنا” وأحبطنا،ليس الخروج عن الآداب العامة وتعدي لاعب (ربع تعليم) على مواطن إماراتي يؤدي واجبه في حفظ النظام داخل الملعب، فقد اعتدنا على مثل هذا السلوك منذ أن سحب مدير المنتخب الحالي إبراهيم حسن ،سلاح جندي من الجيش اللبناني،محاولا الاعتداء عليه، خلال لقاء ودي جمعه مع الأشقاء في بيروت ،شهد مشاجرة بين مدرب المنتخب الحالي وشقيقه ورجال الأمن اللبنانيين العام 1995..لم يلفت الحادث انتباه المسئولين في الدولة (وطبعا الجبلاية) في أن ثقافة لاعب الكرة المصري في حاجة ماسة إلى دروس في التربية الوطنية ،ترفع من الوعي القومي لهم،بما يزيد من الود بين المصريين والشعوب الصديقة لهم،وأن الشعب ينظر إليهم باعتبارهم أحد مصادر القوة الناعمة لمصر.
نعم ،تاريخنا المخزي في السلوك الهمجي للاعبي الكرة ،ليس وحده الذي كسر نفسنا وأحبطنا،إنما مشاركة مدير الكرة في الواقعة المخزية بالإعتداء،ومشاركة رئيس نادي الزمالك بالتهديد بالإنسحاب إذا لم يتم إطلاق اللاعبين من الاحتجاز الإداري لحين التحقيق.
أحبطنا وكَسْرًنا رئيس النادي ،قمة الهرم الإداري والتربوي في القلعة البيضاء،بتصريحاته وقراراته ،خلال ردود الأفعال الأولى له ،على حجز مدير الكرة ولاعبين رهن التحقيق لاعتداءهم المخزي ، وكشف عن ثقافة رجل، إما لا يعلم أن لكل دولة قوانينها ،وثقافتها الخاصة،تختلف عن مثيلتها في مصر، ويجهل أن “الحياة الكروية” في الإمارات،خالية تماما من الفوضى والمحسوبية والشللية..وإما أن السيد حسين لبيب يزدري قوانين دولة الإمارات ولا يعيرها أي احترام،محتميا بكرة القدم والقوة الناعمة للزمالك في العالم العربي، وإما اعتبر نفسه في “خناقة وهاتعدي” مثل الخناقات المتعددة والمتنوعة السابقة الذي خاضها وكان طرفا مباشرا فيها..وسواء كانت “إما” تلك ،أو أخرى، فإن كل “إما” تشير إلى أن مدرسة الزمالك في حاجة ماسة إلى إعادة فتح الفصول التي تدرس مادتي التربية الوطنية والرياضية ،من أجل استعادة الوعي المفقود في ميت عقبة.
لم يكن الزمالك مضطرا لتقديم الاعتذار (المخجل) لولا الوعي المفقود عند الإدارة ،والذي ساقها إلى الإقدام على “الشخبطة”على اللوحة الزيتية” الجميلة التي شيد فيها المصريون وأشقاءهم العرب في مخيلتهم ،قلعة بيضاء مرتفعة مكتوب عل صدارتها : مدرسة اللعب والفن والهندسة..للأسف،يجرى حاليا اعتداءات بـ”الفحم” على زيت اللوحة ،المرسومة بقلوب جماهير الزمالك العريضة من المحيط للخليج.
يجهل السيد حسين لبيب ، رئيس النادي ،إنه عندما ينتقل من مصر إلى الخارج ،فإن عليه،بالضرورة والواجب والوعي، أن ينتقل من مقعد “رئيس ناد” إلى موقع “رجل دولة” ، وليس مشجع كرة يسافر مع الفريق لدعمه..
حتى الأخلاق (لن أقول الروح الرياضية) تم شطبها من جدول حصص مدرسة “الفن والهندسة ” فأصبحنا أمام تلاميذ يجهلون ما معنى كلمة “الأخلاق” من الأصل ..أحدهم يتعاطى المخدرات وآخر يعتدي على مواطن إمارتي محترم يحمل ذكريات شبابه من القاهره ويراها ـ إلى اليوم ـ قِبلة العروبة وشباك الأمل في وطننا الكبير..التحليل الأخير لخناقة عبد الواحد السيد وشلبي ودونجا يكشف أن المدرسة بلا هيئة تدريس ، وبلا ناظر.
ولأن الجهل آفة حارتنا (اقتباس)، بات من الطبيعي أن يتحول الكثير منا إلى أعداء للوعي ،ويدافعون عن الجهالة بجهالة ..كلنا ،وليس الزمالك وحده،في حاجة إلى استعادة الوعي المفقود ،ولن يتأتى ذلك إلا بالتعليم في المدرسة ..لكن مدرسة الزمالك على ما يبدو تكاد تغلق أبوابها،إذا ما استمر “الناظر” في شطب منهج التربية من جدول الحصص ،والخوف من أن يحول معدل الشخبطة على لوحة “الهيام”في حب الزمالك، إلى رسم كاريكاتوري.
على اللوحة الزيتية للقلعة البيضاء،بقع سوداء، لا يحتاج تجديدها وإعادتها إلى أصلها إلا رسام ، يمتلك رؤية واسعة للمكان الذي يجب أن تشيد عليه القلعة ،والزمان الذي تنتصب فيه شامخة، أما التربية الوطنية فربما تكون في حاجة إلى مدرس كيمياء يعيد تركيب عناصر الذوق والاخلاق ،التي تم تفكيكها وتحليلها في معامل منصات التواصل الاجتماعي،والجهاز المركزي للمحاسبات للنظر في نصف مليون دولار تكبدتها خزانة النادي لتسديد غرامات تم توقيعها على الزمالك من قبل الاتحاد الأفريقي في أقل من 5 شهور بسبب إلغاء حصص التربية والتوعية من مدرسة الفن والهندسة..الفن لا يمكن أن يلتقي مع الخروج عن الآداب والذوق العام،والهندسة تخضع لقواعد صارمة ،تأبى أن تدلي برأيها في “هز الوسط” ..ووسط الزمالك في حاجة إلى “نبيل” يدافع عن شموخ القلعة البيضاء ويسد الثغرات التي يتركها مجلس الإدارة الحالي باندفاعه المتهور إلى قرارات لا يعرف قَدْرِها ولا يتحمل عواقبها..الفن يغيب عن المدرسة،والهندسة تخجل من المشاركة في وصلة رقص..مدرسة آيلة للسقوط،وفي حاجة ماسة إلى التنكيس.

تسديدة مباشرة:
ـ على المستوى الاجتماعي ،كشفت الواقعة جوانب هامة في الوعي الجمعي لأبناء الشرائح الاجتماعية الأقل تعليما، الذين لم يجدوا حلولا شريفة لتأمين حياة كريمة سوى الكره والغناء..داخل هذا العقل “الأجتماعي ـ الثقافي، يحتل الضابط مكانة متفردة ،فهو وكيل السلطة في السيطرة والتنظيم وإعمال القانون ..مكانة ليست وليدة هذا الزمن،إنما من أزمنة بعيدة عندما عرفت مصر الدولة ..مكانة تبدأ وتنتهي عند الخوف من بطش ضابط الشرطة،الذي يمنح نفسه سلطات فوق ما نص عليه القانون، الضابط هو الحكومة في ريف مصر كله القبلي منه والبحري وهو ما يشرح ويوضح جوهر ما قاله مدير الكرة في التحقيقات الرسمية انه لم يكن يعرف انه ضابط.
أحمد عادل هاشم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى