رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير.. أسامة صالح

الأعمدة

هذه الحرب التي اعادتني إلى ذاتي : الحلقة الثالثة ..

عدت إلى قريتي مدفوعا كغيري بأمل العودة إلى مقر إقامتي و عملي في العاصمة كشأن كل الذين حملوا ما خف وزنه في رحلة ظنوا انها لن تتجاوز المدة التي كانت واستمرت فيها قرقعة السلاح هي الحاكمة لطبلات المسامع وتهز الفرائص الرقيقة هلعا من مصير لم نكن نتوقع أن يتحرك شجرا من أقصى غرب البلاد يوما أو من الأطراف الاخرى لتسقط ثماره السامة ليس في وسط البلاد فحسب بل في داخل حاضرتها تلك الثلاثية الاضلاع التي حضنت ثلث سكان البلاد في تزاحم مريب لم يبخل بإفساح بعض مواطيء القدم للغرباء الذين قاسموهم ضألة الخدمات وضيق فسحة العيش الكريم وغير الكريم في كثير من المهن التي يتعفف بعضنا عن ممارستها بدءا بالتسول الممنهج أو العشوائي وليس انتهاء برذائل اخرى و اغلب الناس مشغولون إلى درجة الذهول كل في همه الذي كانت تتسع بسطته كلما ضاق الناس في الوسط من معاناتهم التي شغلتهم عن ما يدور في الأطراف البعيدة من حروب ظنوا أن نارها ستنطفي بعيدا عن ثيابهم ولن يمتد أوارها إلى أبعد نقطة من تخوم الوسط دعك عن وسط العاصمة ذاته !
بل كنا نخرج أو يخرجونا احيانا وحناجرنا تشتغل غضبا لما يحدث في غزة ..ولا أذكر أن مسيرة واحدة قد شقت شوارع الخرطوم وغيرها من مدن الوسط محذرة من حركة ذلك الشجر ذي الثمرة السامة في الاطراف ليخطو ناحيتتا طال الزمان او قصر !
بالطبع تلك سرديات يطول شرحها ولكن مجرد تجاوزها دون الإشارة إليها ولو من طرف خفي يجعلنا نبدو كمن يبريء إخوة يوسف و يصدق روايتهم بتجريم الذئب !
المهم يا سادة يا كرام ..وسيدات لهن فائق الإحترام ..
عقب عودتي إلى قريتي في سرة الجزيرة مرت الدقائق و الساعات والأيام و الشهور التي امتدت من بعد عيد الاضحى الاول عقب اندلاع الحرب في الخرطوم وقد قضيناها ونحن نتفيأ ظلال الحياة الرتيبة التي كانت تتثاؤب بطيئة كحركة تلك الأفياء صباحا وعصرا لننكفيء خلف العيون المجهدة في مساءاتنا نتابع اخبار الحرب عبر القنوات المختلفة بينما تتخلل فضاءات الحياة مناسبات الافراح والأتراح التي أصبحت مختصرة في طقوسها والناس يكبلهم الحذر من ذلك الشجر القادم في عيون النازحين إلى الجزيرة باعتبارها اقرب واسهل نقاط العبور من جحيم الحرب في العاصمة وصولا إلى حضن الامان ودفء الطأنينة .
ولكوني قادم من غربة طويلة ابعدتني عن وطني ومسقط راسي و قريتي التي رعت صباي و عجمت عود شبابي فقد ظن الكثيرون أن عودتي ستكون مجرد محطة عابرة انطلق منها إلى ركوب البحر شرقا كخيار معقول لمن هو في مثل حالتي كصاحب ضغط وسكر و قلب ترتخي عضلاته كلما هزها دوي الأحداث ..بل وقد جاءتني الدعوات تباعا لأسرع بالرحيل من ابنائي وبناتي وبعض الأصدقاء في الخارج وأن احزم حقائبي واتابط رفيقة الدرب ام العيال و نلوذ برمضاء الهجرة مرة أخرى هربا من نار البقاء خلف ستارات المجهول التي قد يطالها الشرر وان لازال يترائى بعيدا في أفق المجهول !
وتلك قصة أخرى لها ما قبلها من أسباب التمنع وما بعدها من مبررات البقاء ..سنتعرض لها لاحقا ..في سياق الحلقات القادمة بإذن الله

يتبع..

زر الذهاب إلى الأعلى