
تتواصل عمليات استهداف المنشآت الحيوية والخدمية في السودان عبر الطائرات المسيّرة، في مؤشر واضح على أن الحرب الدائرة دخلت مرحلة حرب الاستنزاف، وفتحت نفقًا مظلمًا لا تبدو له نهاية في الأفق. فقد تحولت المعركة من تمرّد محدود إلى حرب شاملة، مدعومة إقليميًا وبتوجيهات من مشروع صهيوني يهدف إلى تفكيك السودان وإضعافه، ضمن خطة أكبر لتفكيك المنطقة، بمباركة أمريكية، عبر ما عُرف بموجات “الربيع العربي”.
ولم يكن ذلك الربيع، كما زُعِم، يهدف إلى التخلص من الأنظمة الديكتاتورية ونشر الديمقراطية، بل كان في جوهره خطة للتفكيك والدمار، والشواهد على ذلك واضحة في ليبيا، والعراق، وحتى تونس التي جنّبتها يقظة الجيش والمعارضة الإسلامية الانزلاق نحو الفوضى. أما سوريا، فتمثل مثالًا صارخًا على هذا السيناريو، حيث ما تزال إسرائيل تنفّذ مطامعها بالتمدد العسكري وضرب مواقع حساسة بالقرب من القصر الرئاسي، في ظل صمت إقليمي ودولي مريب.
ويزداد المشهد تعقيدًا مع غياب الموقف الحازم من تركيا، التي سبق وتعهدت بحماية التغيير في دمشق عقب انسحاب روسيا من المشهد السوري، لكنها الآن تقف موقف المتفرج.
وسط هذه الوقائع المتشابكة، تأتي حرب السودان لتؤكد أن المشروع الإسرائيلي لن يتوقف إلا بتحقيق كامل أهدافه، ما دام الدم العربي يُستهلك في تنفيذ هذا المخطط الخطير. ويبدو أن الهجمات عبر الطائرات المسيّرة على قاعدة “عثمان دقنة” الجوية، ومستودعات البضائع، وبعض المنشآت المدنية في بورتسودان، ,ومطار كسلا لن تكون الأخيرة، خاصة في ظل الدعم الإقليمي والدولي الذي باتت تتلقاه هذه الحرب من بعض دول الجوار.
إن استمرار هذا النزيف يتطلب من السودانيين التوقف عن الصراعات السياسية، وتجاوز الخلافات والألوان الحزبية، والالتفاف حول مشروع وطني شامل، يخرج البلاد من هذا النفق. فالحرب تهدد وحدة السودان ووجوده، ولا سبيل للنجاة إلا بالتعقل وتغليب مصلحة الوطن على حساب المصالح الضيقة.
أليس حريًّا بنا، بعد أن أجبر أكثر من 13 مليون سوداني على مغادرة ديارهم، أن نعتبر ونتكاتف من أجل إنقاذ ما تبقى من وطن يكاد أن يُمزّق؟