حصان طروادة السوداني الا وهو المؤسسة العسكرية حصن الاستبداد ومقبرة التحولات الديمقراطية منذ الاستقلال

✍🏻المستشار/مهيد شبارقة
منذ نيل السودان استقلاله عن الاستعمار البريطاني في عام 1956 ظل حلم التحول إلى دولة مدنية ديمقراطية يتبدد عند كل منعطف تاريخي تحت وقع البندقية وهدير الدبابات حيث لعبت المؤسسة العسكرية دورًا محوريًا ومريرًافي وأد أي محاولة جادة لبناء نظام مدني ديمقراطي مستقر في السودان.
حيث تلبدت سماء البلاد بانقلابات متكررة وتحالفات مشبوهة كان أبرزها وأكثرها كارثية هو تغول الحركة الإسلامية على الجيش والذي بلغ ذروته في انقلاب 1989 بقيادة عمر البشير.
#انقلاب العسكر على حلم الديمقراطية:
عقب الاستقلال عرف السودان فترات انتقالية قصيرة نحو الحكم المدني لكنها كانت تنتهي دائمًا بانقلاب عسكري أولها كان عام 1958 بقيادة الفريق /إبراهيم عبود تلاه انقلاب /جعفر نميري في 1969 ثم انقلاب الإسلاميين في 1989..!!
هذه الانقلابات لم تكن عفوية بل عكست التقاء مصالح نخب عسكرية ترى في السلطة وسيلة للنفوذ والثروة ونخب مدنية انتهازية استغلت الجيش لخدمة أجنداتها الضيقة.
#الجيش والحركة الإسلامية: زواج مصلحة غير شرعي:
كان انقلاب 30 يونيو 1989 نقطة تحول مفصلية في تاريخ الانهيار فقد نجحت الجبهة الإسلامية القومية بقيادة /حسن الترابي في اختراق المؤسسة العسكريةوكل مفاصل الدولة حيث تمكنت من إحكام قبضتها على الدولة باسم (ثورة الإنقاذ) فتمّت أسلمة الجيش وتطهيره من الضباط غير الموالين لها وتحويله إلى أداة قمعية بيد السلطة وبهذا تحوّل الجيش من مؤسسة وطنية قومية إلى ذراع أيديولوجي يفتك بكافة معارضيه ويخوض حروبا داخلية باسم الدين تارة وباسم الحفاظ على الأمن تارة أخرى.
ولم تكن هذه السيطرة مجرد تحالف عابر بل هب عملية منهجية لإعادة صياغة العقيدة العسكرية على أسس أيديولوجية وهي الخطوة التي أدت لاحقًا إلى تشظي البلاد بانفصال الجنوب وتفاقم النزاعات في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق.
#ثورة ديسمبر ومخاض التغيير:
أعادت ثورة ديسمبر 2018 الزخم الشعبي لمطلب الدولة المدنيةحيث أجبر الشارع السوداني المخلوغ على٥ التنحي وتشكّلت حكومة (مدنية-عسكرية انتقالية) اعتبرت بارقة أمل غير أن المؤسسة العسكرية التي كانت قد تربت عقودا على عقلية الاستحواذ والهيمنة سرعان ما انقلبت على الشراكة ووأدت المرحلة الانتقالية بانقلاب جديد في 25 أكتوبر 2021 بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان وشراكة قائد الدعم السريع.
#الأسباب البنيوية للهيمنة العسكرية:
#هناك جملة من العوامل البنيوية التي تفسر هذا السلوك المستدام للمؤسسة العسكرية:
1.ضعف المؤسسات المدنية: فالأحزاب السياسية القديمة هشّة وتفتقد للرؤية والقيادة مما يجعلها عاجزة عن بناء دولة قوية.
2.التكوين العقائدي للجيش: خاصة بعد تغلغل الإسلاميين داخله أصبح الجيش يحمل تصورا رساليا للسلطةحيث شكّلت العلاقة بين المؤسسة العسكرية والحركة الإسلامية في السودان واحدا من أعقد التحديات التي واجهت الدولة المدنية الحديثة حيث نجحت الحركة الإسلامية منذ انقلاب 30 يونيو 1989 في اختراق كل مفاصل الجيش وأجهزة الأمن مما أسفر عن تحوّل الجيش من مؤسسة وطنية قومية إلى ذراع تنفيذية لمشروع سياسي عقائدي بحت وهو ما جعل
دوامة الانقلاب مستمرة
منذ ذلك التاريخ ولم يعد القرار العسكري محصورا في الأطر المهنية أو الأمنية بل أصبح خاضعًا لإرادة سياسية ذات طابع أيديولوجي تتبنى مفهوم /التمكين الذي مكّن كوادر الحركة الإسلامية من السيطرة على المناصب الحساسة داخل القوات المسلحةوجهاز الاستخبارات، وحتى مفاصل كل الصناعات الدفاعية….!!
هذا التغلغل أثّر بعمق على مسار الدولة السودانية سواء في فترات السلم أو أثناء الحروب فعلى صعيد الحروب استُخدم الجيش كأداة لقمع التمرد خصوصًا في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق بطريقة افتقرت أحيانًا إلى المهنية العسكرية مما أدى إلى تفاقم الأزمات الإنسانية وانتهاكات حقوق الإنسان وأضر بصورة السودان دوليًا.
#أما في السلم فقد قاد هذا التداخل بين السياسي والعسكري إلى تحجيم فرص التحول الديمقراطي إذ لعبت المؤسسة العسكرية المسيطر عليها من قبل الإسلاميين دورا في إجهاض الانتفاضات الشعبية كما حدث بعد ثورة ديسمبر 2018 حين تم تعطيل مسار الانتقال المدني لصالح تحالفات خفية بين العسكريين والإسلاميين وتُبرز هذه التجربة السودانية خطورة تسييس المؤسسة العسكرية وتحويلها لأداة لخدمة أيديولوجيات بعينها وتؤكد أن بناء جيش وطني مهني مستقل عن الأحزاب والتيارات يمثل شرطا أساسيا لاستقرار السودان وبناء دولة مدنية ناهضة