
المستشارة الإعلامية عزة عمر نصر
✍️تم توقيع (اتفاق جوبا للسلام) في أكتوبر 2020م وسط ضجيج سياسي صاخب وظروف داخلية بالغة التعقيد لم يكن الاتفاق نتاج إرادة شعبية ولا مخرجات حوار وطني حقيقي بل كان باختصار اتفاقاً فوقياً و مرتباً على عجل تحت تأثير الضغوط الخارجية والصفقات المشبوهة التي حيكت في الظلام ضد الوطن وفي صلب هذه المؤامرة برز الدور الخبيث الذي لعبته دويلة الإمارات التي تحركت كالعادة بخبث وبأموالها ونفوذها مستغلة هشاشة المرحلة الانتقالية في السودان فقد كانت الإمارات تسعى منذ وقت مبكر لإعادة تشكيل المشهد السوداني بما يخدم مصالحها الاستراتيجية خاصة السيطرة على الذهب والموانئ والثروات الطبيعية عبر وكلائها المحليين من المليشيات والانتهازيين
الهادم الأكبر في هذه اللعبة كان الهالك حميدتي قائد مليشيا الدعم السريع الذي دخل الاتفاق بتحالف خفي مع قوى الحرية والتغيير (قحت) لا بهدف تحقيق السلام وإنما لتثبيت نفوذه وبسط سيطرته على مفاصل الدولة وقد تم كل ذلك بدعم إقليمي واضح من دولة جنوب السودان التي فتحت جوبا كمسرح خلفي للمؤامرات برعاية مباشرة من الرئيس سلفاكير ميارديت الذي لم يكن مجرد وسيط بل طرفاً متواطئاً في الخفاء ينسق مع حميدتي ويمهد لصفقة تمزيق السودان مع توت قلواك
الخطورة لا تكمن فقط في الجهات التي وقعت الاتفاق بل في الكيفية التي تم بها لم يعرض الاتفاق على مجلس تشريعي منتخب ولا مرّ على المحكمة الدستورية ولا سمع لصوت الشعب فيه رأي أو مشورة بل جرى في غياب تام للمؤسسات وتحت وصاية دولية وإقليمية تفرض أجندتها باسم (السلام) دون أن تملك أي مشروعية لفرض حلول من خارج إرادة السودانيين فـــ لم تكتفي الجهات الموقعة بذلك بل تم حجب بنود الاتفاق عن الرأي العام ولم تنشر نصوصه الكاملة في خرق فاضح للشفافية وانتهاك صريح لحق الشعب في المعرفة والمشاركة كيف يمكن لاتفاق يفترض أنه (للسلام) أن يمرر خلسة بعيداً عن الشعب السوداني؟ ولماذا تم فرضه كأمر واقع دون عمل استفتاء أو حوار وطني شامل؟
لقد جرى توقيع اتفاق جوبا بينما كانت الجماهير في قلب الثورة تطالب بالعدالة وتكافح بدمائها في تلك اللحظة المصيرية من عمر الثوره تسلل المتآمرون من النوافذ الخلفية سرقوا الثوره وفرضوا اتفاقاً مسموماً في الظل سطر لاحقاً مقدمات الانهيار الوطني و اليوم وبعد أن انفجرت الحرب ظهرت نتائج ذلك الاتفاق الكارثي التي كانت عباره عن حركات مسلحة تتحول إلى أمراء حرب تتقاسم المناصب والثروات وتتمسك بحقائب وزارية وكأنها غنائم حرب وعلى رأس هؤلاء تأتي حركة جبريل إبراهيم التي تصر على التمسك بوزارة المالية وتستخدم وجودها الرمزي داخل القوات المسلحة كأداة ابتزاز سياسي لا دعماً حقيقياً للجيش أو الوطن
إن من يطالب اليوم بتطبيق اتفاق جوبا كاملاً إنما يطالب بتطبيق وثيقة غير شرعية لم يقرها الشعب السوداني ولم تمر عبر مؤسسات وولدت من رحم التدخلات الخارجية وصفقات التسلق و التمكين ولا يمكن لوطن يسعى إلى الاستقرار أن يبنى على أسس مغشوشة و مشبوهة فقد آن الأوان لإعادة النظر جذرياً في كل ما تم باسم (السلام) ومراجعة اتفاق جوبا بالكامل بل و إلغاءه كلياً باعتباره اتفاقاً ولِد خارج السيادة وكرس لمليشيات أمر واقع لا لسلام عادل أو شراكة حقيقية
كلمة حق:
إن احترام السيادة يبدأ بإسقاط الاتفاقات التي فرضت من الخارج وإنهاء الحصص والمناصب التي منحت لمليشيات وسماسرة وإعادة الأمر برمته إلى الشعب السوداني صاحب الكلمة الأولى والأخيرة .