الأعمدة

الدعم السريع وتشتيت كرة الحرب!

على الرغم من ان الذي اصاب العاصمة القومية من افراغ سكاني ونهب وسلب واستباحة للأعراض ودمار عمراني فظيع وجرح غائر في خاصرة سيادة الوطن التي تمثلها كمقر للحكم المركزي.. ولكن الاسراف في الحديث عن بشريات تطهيرها من دنس المليشيا المحتلة لبيوت اهلها ومراكز خدماتها و استهداف مقرات جيش البلاد الوطني لا ينبغي ان يصبح مصدرا للفرح الدافق في نفوس الذين ذاقوا امرين النزوح الداخلي واللجوء الخارجي وكل متضرري تداعيات هذه الكارثة اللعينة التي حلت بالوطن كله واهله الطيبين.
نعم ان فرحة الرجوع الى العاصمة والديار التي تحمل حوائطها اجمل الذكريات تظل هي امنيات اليقظة والمنام ولكنها ان هي حدثت عاجلا او اجلا ستكون بطعم الحنظل..فلن تكتمل اركانها على حين غرة.
وصورة الخرطوم بثلاثية ابعادها المترهلة لن تكون تلك التي كانت ما قبل الحرب ولا الحياة ستعود كما كان ملؤها الطمأنينة حتى بين الجار وجاره و البلد بات يحكمها السلاح خارج سلطة الدولة محمولا على كتف كل شرير يستسهل الكسب الحرام بارهاب المرعوبين غير الامنين في ديارهم الحزينة واستباحة مقتتياتهم على بؤسها وقلتها.
نعم قد تنتهي معركة الخرطوم بكنس عصابات الجنجويد من منازل اهلها والتقاطهم من داخل جحور اركانها ومن بين حفر شوارعها و ستبدا ليالي العاصمة المعتمة الدامعة في لعق جراحات نهاراتها الكئيبة.
ولكن ما لا يجب ان يفوت على اذهان
الجهات الرسمية التي غادرتها وهي تنزف دما وتذرف دمعا ان كانت فعلا ستعود قبل الناس وفقا لما تقتضيه واجباتها لترتيب بيت الحكم السليب من تحت انقاض هذا النصر المرتجى والذي سيلوح بكل اسف من بين مرارة الهزيمة المتمثل في طول امد معارك الخرطوم وهي رقعة جغرافية محدودة وقد استغرق الكر والفر فيها كل هذه الشهور الدامية.
ولا ينبغي ايضا ان نغفل ان السودان ليس هو الخرطوم ولا انسانه هم اهل الوسط.. فالبلاد واسعة و بقايا شياطين الدعم السريع لن يكفيهم مافعلوه في ماضيهم الاسود او حاضرهم الاكثر سوادا.. وليس من المحتمل ان خسارتهم لمعركة الخرطوم ستكون خاتمة المطاف.. والاخبار تترى انهم بداءوا التسلل الى قرى جنوب الجزيرة و سكان تلك المناطق يجأرون بالشكوى من تعديات اولئك الاوباش على قراهم بالتحرشات القذرة و الاستفزازات السافرة . ولعل الاخبار الواردة من منطقة ودعشانا بشرق كردفان والمتاخمة لمدينة تندلتي تلك البوابة التي تفضي الى كوستي في مسيرة مرمى حجر.. مثلما كانت الهجمة على العيلفون قد حركت حواجب الدهشة حول كيفية وصول تلك التخوم القريبة وهي منطقة مكشوفة يمكن للضرير ان يصطاد فيها الحمام بنبلة بصيرته فما سبب تاخر سلاح الطيران واجهزة الرصد المساعدة له بشريا و لوجستيا قبل بلوغ اولئك الغزاة للهدف المنكوب!
كلها مؤشرات ان تلك القوات المارقة قد تلعب بخطة تشتيت كرة الحرب خارج خط (18)الخرطوم.. وهو ما يجب ان نتحسب له بعدم اطلاق صيحات التنادي لتحرير العاصمة في حد ذاتها كغاية !
هذا فضلا عن الذي يجري في دارفور و بعض مناطق جنوب كردفان من تحركات قوات اخرى تزيد من الرياح المساعدة على تشتيت تلك الكرات . فكلها شواهد تنذر باستمرار تدحرج كتلات النيران في هشيم الحقل الجاف اصلا !
فالسودان ليس الخرطوم والجرح الذي يدمي اي طرف منه لابد انه سيتقطر من عروق الجسد كله.
ولا نملك الا ان نحذر.
و نقول في ذات الوقت ربنا يكذب الشينة.
ولكن الاحتياط واجب. ونسال المولى الكريم ان يحفظ السودان واهله في كافة اركانه من كل نوازل الشرور التي تحيط به من كل جانب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى