الأعمدة

الخرطوم بحري قصة مدينة عمرها الانجليز ودمرها السودانيين الحلقة (3) :تاريخ المواصلات في بحري

عند بداية حكم الانجليز للسودان بعد انتصار جيشهم في معركة كررى 2 في سبتمبر 1898م وهزيمة جيش الخليفة عبد الله التعايشي، كان السودان بعدها في حالة من الدمار والخراب والفوضى لا مثيل لها وكان كأنه يعيش في ظلام القرون الوسطى و ليس في نهايات القرن التاسع عشر الذى شهد انتشار الثورة الصناعية و تقدم الحضارة في جميع ارجاء العالم فلم تكن توجد في السودان مدارس ولا مستشفيات ولا طرق او مواصلات ولا بنية تحتية وباختصار لم تكن هناك دولة بالمعنى المعروف! وكان هذا بسبب الحروب المستمرة والاقتتال الطاحن بين السودانيين (الخليفة التعايشي ومعارضيه) طيلة فترة حكم المهدية التي استمرت 13 عاما من 1885 الى 1898 م. ولكيلا نلقى اللوم فقط في هذا التخلف المريع على المهدية وحدها فان أكبر التقصير واللوم يقع على فترة الحكم التركي المصري للسودان او ما يعرف باسم التركية السابقة والتي حكمت البلاد لمدة 65 عام البلاد من 1820 الى 1885م، فطوال هذه الفترة لم تقوم الحكومة التركية بإنجاز اية اعمال في تعمير البلاد والنهوض بها وكان ذلك باستطاعتهم ولكنهم لم يفعلوا! بل وزادوا الطين بله بفساد حكمهم و حكامهم و تسلطهم و ظلمهم للسودانيين من خلال التضييق على حياتهم و سد سبل كسب العيش وفرض الضرائب الباهظة التي اثقلت كاهل المواطنين و لبطش و التنكيل في جمعها مما جعل كثير من السكان يهاجرون و يتركون مناطقها و الانتقال الى أماكن لا تصلها الحكومة التركية !، وكانت هذه المظالم والمفاسد من اقوى أسباب اندلاع الثورة المهدية التي وجدت ارضا خصبة و شعبا كارها وحانقا لكل ما يمت للأتراك من صلة حتى ان صفة التركي ارتبطت لدى بالجور و التعسف و الاستبداد ومن هنا فقد جاء المثل السوداني ” التركي و لا المتورك” وهو يعنى انه لا يوجد من هو أسوأ من التركي الأصلي سوى الشخص الذى يقوم بأفعالهم
في بدايات حكم الانجليز للسودان والذي بدأ رسميا في 1899م قاموا بإعمار مدينة الخرطوم بحري او الخرطوم شمال كما كانوا يطلقون عليها Khartoum North. وعند ازدهار المدينة من خلال انشاء النقل الميكانيكي والنقل النهري والمخازن والمهمات وتلي ذلك فتح المدارس والمستشفيات وتعبيد ورصف الطرق وتخطيط المدن وانشاء احياء جديدة لتستوعب الاعداد المتزايدة من السودانيين الراغبين في السكن في بحري. فكان لابد من الاهتمام بالمواصلات الداخلية والتي تربط بحري بشقيقاتها (الخرطوم عموم وام درمان)
وكانت البداية هي ادخال الترماى أو الترامواي (وتُنطق «تُرْماي» بتفخيم التاء والميم) وهى قطارات خفيفة تعمل على مسارات السكك الحديدية المكهربة داخل المدن مع وجود بعض خطوط الترامواي تكون أجزاء من مساراتها تمر خارج المدن ويكون مسارها سطحي. . وفى هذا الصدد فيذكر الأستاذ صلاح لبيب شيخ الموثقين ورائد الكتابة عن الخرطوم بحرى أن مدن العاصمة الثلاث كانت في البداية تربط بين بعضها البعض فقط عن طريق المواصلات النيلية عن طريق (المعدية) معدية (الجنزير) تربط ما بين الخرطوم والخرطوم بحري.. ومعدية (شمبات) تربط ما بين أم درمان والخرطوم بحري؛ تلك كانت المرحلة الأولى، وحتى قيام كوبري النيل الأزرق عام 1910م ولكن الجديد بعد ذلك هو استخدام (الترام) داخل كل مدينة لوحدها أيضاً في المرحلة الأولى. ويواصل صلاح لبيب السرد فيقول ظلت مدن العاصمة الثلاث ترتبط بعضها ببعض فقط عن طريق المواصلات النيلية عن طريق (المعدية) معدية (الجنزير) تربط ما بين الخرطوم والخرطوم بحري.. ومعدية (شمبات) تربط ما بين أم درمان والخرطوم بحري؛ تلك كانت المرحلة الأولى، وحتى قيام كوبري النيل الأزرق عام 1910م ولكن الجديد بعد ذلك هو استخدام (الترام) داخل كل مدينة لوحدها أيضاً في المرحلة الأولى. في عام 1911م استخدم (الترام) داخل مدينة بحري، وكان يسمى (السِمِع) يربط ما بين المحطة الوسطى بحري حتى مشرع معدية (شمبات) وكان أسرع وسيلة في ذلك الوقت، وأمام ذلك المشروع شيدت كلية الزراعة بشمبات، وكانت تتولى التجارب الزراعية قبل نقلها إلى (مدني)، يمر الترام شرق حلة حمد ثم حلة خوجلي حتى الصبابي ويمر بمناطق زراعية حتى الموقع بشمبات، ويعود ناقلاً القادمين من أم درمان من مشرع (أبوروف) حتى داخل مدينة بحري، وكان ذلك الترام حدثاً لم يشهده الأهالي من قبل وسمي باسم (السمع) لشكله الغريب، وكان يتكون من عدد قليل من العربات وفي مؤخرته يقطر عربة معروفة كانت مخصصة لنقل (الجثمان) إلى مقابر حمد أو خوجلي هكذا تعود سكان (أبو روف وبيت المال) في ذلك الوقت مجرد رؤية هذه العربة دلالة على وجود جثمان . كانت الخرطوم تربط (سنتر) بين كل من الخرطوم بحري وأم درمان بعد تشييد كوبري النيل الأبيض عام 1928م حيث ربط (الترام) عن طريق الكوبري ما بين الخرطوم وأم درمان مباشرة، بينما سبق (ترام) الكهرباء ربط الخرطوم والخرطوم بحري قبل ذلك. وكانت محطات الترام بالخطوط معروفة بالأرقام، موقف بحري نمرة (1) موقف أم درمان بالرقم (36). الترام الذي كان يعمل ما بين الخرطوم والخرطوم بحري كانت محطاته ببحري الأولى بحي (العزبة) جوار موقع حديقة أركويت المواجهة لمنزل د. التجاني الماحي الحالي ثم محطة أمام النقل الميكانيكي قبل دخوله إلى الكوبري ثم يمر بشارع الجامعة وحتى يصل المحطة الوسطى الخرطوم.
ونواصل

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى