الأعمدة

كان الزمان غضًا كصاحبكم تمامًا : طارق حاج التوم

كان الزمان غضًا كصاحبكم تمامًا وكنت قد انتقلت إلى مدرسة بحري الثانوية الحكومية قادمًا من الأميرية (١) المتوسطة حيث درست هناك على يد أساتذة أجلاء يقودهم أستاذ الأجيال العوض محمد أحمد نميري ومن معه من أساتذة أجلَّاء منهم الجيلي الخليفة محمد الحسن وياسر عبد الرحمن علي طه وحسن فضل نوري وغيرهم من الأساتذة الموقرين.
ومدرسة الأميرية(١) لمن لا يعرفها كانت بمثابة المدرسة المتوسطة النموذجية في كل المنطقة وكانت تتكون من ثلاثة فصول فقط الصف الأول والثاني والثالث وكان أكثر ما كان يميزها هو الأنشطة الثقافية والرياضية حيث تُجرى فيها المنافسات بين الجمعيات المختلفة وأيضًا ثلاثة منازل: دقنة الذي كنت أنتمي إليه ومنزلان آخران هما أبو عنجة و النجومي وقد كنت عضوًا بجمعية الفلاحة والتاريخ والإنجليزي إضافةً إلى الإذاعة المدرسية.
كان طبيعيًا إذن بعد انتقالي إلى بحري الحكومية أن أختار الانضمام إلى جمعية الإذاعة المدرسية وكنت مداومًا على إعداد وتقديم برنامج إشراقه الصباحي الذي كان يبدأ السادسة والنصف صباحًا ويستمر حتى بداية الحصة الأولى إضافة إلى مشاركتي مع الآخرين في برنامج فسحة الفطور وفي أحد الأيام وأنا في بداية الصف الأول الثانوي كنت أقدم برنامج فسحة الفطور واخترت أن أقدم إلقاءً شعريًا لقصيدة الشاعر علي محمود طه المهندس الرائعة التي حكى فيها عن فتح الأندلس على يد القائد الشهير طارق بن زياد فكان إلقائي لها من الجودة أنَّني ما أن انتهيت منها مع نهاية الفسحة أن سمعت طرقًا على باب مكتب الإذاعة ففتحت الباب وإذا بأستاذ حسن نور الدين معلم اللغة العربية عند الباب والذي بادرني بالسؤال إن كنت من ألقى تلك القصيدة أم إنها مادة مسجلة فأجبته بأنني ألقيتها على الهواء مباشرة فأخذ بيدي فعبر بي ميدان السلة وهي يسألني عن فصلي فقلت أولى أبو بكر ثمَّ سألني عن اسمي فذكرته له فسألني عن أبي وأعمامي الذين كانوا كلهم من المعلمين المعروفين. ثمَّ سار بي إلى شعبة اللغة العربية والتربية الإسلامية وما أن دخلنا حتى بادر الأساتذة في المكتب ألم أقل لكم أن هذا الطالب ليس ممن تعرفونهم من طلاب السنة الثانية أو الثالثة إنه من أولى أبو بكرفأطروا جميعًا على أدائي وشجَّعوني على الاستمرار فازدادت بعدها مشاركاتي خاصة من خلال برنامج إشراقة الصباحي وقد كان كل ذلك بإشراف وتشجيع الأستاذ محمد أسعد أستاذ الرياضيات والمشرف على الإذاعة.
كان مدير المدرسة الأستاذ الأديب عبد القادر شيخ إدريس أبو هالة ووكيلها الأستاذ عبد الله حامد وهما من معلمي اللغة العربية الأجلَّاء الذين لا يشق لهما غبار وما كان لي أن أعرف أنهما كانا من المداومين على متابعة برنامجي إلى أن حدثت لي مشكلة في السنة الثانية حيث سيطر طلاب من الإسلاميين المتشددين على رئاسة وسكرتارية الجمعية ومنعوني من تشغيل الأغاني التي كانت تتخلل ما أقدم من مادة ثقافية فاعترضت أنا على ذلك وتركت البرنامج فأرسل أستاذ عبد الله حامد من يدعوني لمقابلته بمكتبه فذهبت دون أن أعرف سببًا لهذه الدعوة فإذا به يسأل لماذا اختفى برنامج الصباح فعرفت أنه وأيضًا أستاذ أبو هالة من معجبي البرنامج ومتابعيه فأخبرته بما حدث فحزن حزنًا جمَّا.
ولقد نعى الناعي قبل يومين وفاة أستاذنا الكبير الشيخ عبد الله حامد فهيَّجَ فيَّ كل هذه الذكريات اللهمَّ فاغفر له وارحمه وأنزله منازل الأبرار وأجزِهِ عنَّا وعن طلابه وكل الذين نهلوا من علمه الغزير خير الجزاء وإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى