الأعمدة

الذكرى السنوية الثالثة لوفاة الفنان كمال كيلا (الحلقة الثالثة والأخيرة) كمال كيلا المحامي الذي كان يترافع بالموسيقى والالحان

ما بين ولادته في مدينة كسلا في 2/1/1948 الى وفاته في مدينة بحرى في 2/1/2021 كانت حياة كمال كيلا فنان الجاز السوداني العملاق كانت مليئة بالتوهج و العطاء و الابداع في مجال الغناء و الموسيقى , و في إطار احياء الذكرى الثالثة لوفاته في الخرطوم بحري وكمال كيلا الذي كان يعتبر واحد من أعمدة هذا الفن الذي عرفه السودانيون منذ أواخر الخمسينيات من القرن الماضي بواسطة عدد من الرواد الموسيقيين مثل محمد إسماعيل بادي وعثمان المو وشرحبيل احمد فقد كان كما كيلا منذ السبعينيات يشكل مع زملائه شرحبيل احمد والجيلاني الواثق وعمر عبده ووليم اندرية وعمر قيلى يشكلون نجوم موسيقى الجاز في السودان. كمال كيلا والذى ولد في مدينة كسلا في العام 1948 لوالد كان ضابطا في الجيش و ينتمى الى قبيلة الشلك ووالدة من شمال السودان قبيلة المحس حيث تلقى تعليمه الابتدائي و الوسيط فيها ثم درس المرحلة الثانوية في الكلية القبطية في الخرطوم ثم التحق بجامعة القاهرة فرع الخرطوم والتي تحولت فيما بعد الى جامعة النيلين ثم اكمل دراسته الجامعية في جامعة القاهرة الام في القاهرة حيث تخرج منها حاصلا على بكالوريوس القانون وبعدها عاد الى السودان في أوائل السبعينات من القرن الماضي ليشارك مع زملائه في دفع مسيرة غناء فن الجاز و كان يتميز بحضوره الباهر في المسرح واناقته الملفتة والتي كان يضرب بها المثل وقال لي احد الأصدقاء بان كمال كيلا افضل من يرتدى البدلة البيضاء ( فول سوت) وكان يتمتع بحب الكثير من المعجبين وكانت موسيقاه تتميز بإيقاعاتها الراقصة وثراء استخدام الات النفخ النحاسي من خلال فرقة موسيقية تضم أبرع العازفين وقتها.
ومن المحطات الهامة في حياة كمال كيلا هي تلك الصداقة الكبيرة التي نمت بينه وبين رجل الاعمال السوداني المليونير خليل عثمان صداقة متينة اذ كان خليل عثمان يحب الفن و الفنانين وكان من المشجعين و الداعمين للفن وتربطه صداقات مع الكثير من اهل الفن فقام بإرسال كمال كيلا الى الكويت لإحياء عدة حفلات و بعدها ارسله أيضا الى القاهرة لإحياء حفل افتتاح فندق المريديان وبعدها قام بإهدائه معدات و الات فرقة جاز كاملة وكانت هذه الآلات في وقتها غالية الثمن و لا يستطيع الكثير من الناس شرائها وكانت هذه الآلات المحفز لكمال كيلا لتكوين فرقته الخاصة والتي قام بضم امهر العازفين للعمل معه فقد كان مشهورا بدقته وتدقيقه الصارم في الأداء الموسيقى , وكانت لونيت الغنائية مزيج من الموسيقى الغربية مع الايقاعات السودانية بما فيها التم تم وكذلك قام بإعادة صياغة بعض أغنيات الحقيبة بطريقة جميلة وذلك من خلال ادخال الآلات النحاسية مثل اغنية ” نعيم الدنيا” لشاعر الحقيبة عمر البنا و ” طبعا اهواك” رائعة ابوصلاح كما ان اغنية ” سلاني وجرى دمعى بلاني ” وجدت قبولا عاليا و حظيت بشعبية كبيرة وقد نجح كيلا في تقديم صورة حديثة مستساغة لهذه الأغاني من خلا أدائه الراقص وصوته القوى الجميل في طبقة الباريتون والأداء المحترف لفرقته الموسيقية , وكان يغنى باللغتين العربية و الإنجليزية ولديه عدد من الأغاني باللغة الإنجليزية اشهرها اغنية الوحدة الافريقية وكان كيلا من اشد المنادين بوحدة القارة السمراء , وفى فترة وجيزة اصبح كمال كيلا نجم موسيقى الجاز المزاحم لشرحبيل في الشعبية و الانتشار وكان مرغوبا و مطلوبا على الدوام في الغناء في الفنادق و اندية الجاليات الأجنبية واذكر انه كان من اكثر الفنانين غناء في كازينو النيل الأزرق في بحرى وهى المدينة التي كان يحبها بصفة خاصة وله فيها الكثير من الأصدقاء و المعجبين و تحديدا في ديوم بحرى والتي كان يشبهها بحي هارليم في نيويورك وهذا الحب لمدينة بحرى جعله يتخذ من العمارة التي تقع في قلب سوق بحرى وتطل مباشرة على نادى التحرير من الجهة الجنوبية مقرا لفرقته الموسيقية وانشطته الفنية . في العام 2006م رفع كمال كيلا هامات السودانيين عاليا و جعلهم يشعرون بالفخر عندما غنى امام المغنية الجنوب افريقية و العالمية المناضلة مريام ما كيبا ا اغنية عن المناضل الأفريقي نلسون مانديلا ابان زيارتها للخرطوم كضيفة شرف للقمة الافريقية التي انعقدت في السودان وضمت رؤساء دول القارة ففي منتصف الاغنية لم تتمالك مريام ما كيبا نفسها ففاضت دموعها من الانفعال و التأثر حتى انها شاركت اندفعت الى المسرح لتشارك كيلا في الغناء وبعدها قالت انها لم تكن تتصور ان هنالك فنان في القارة الافريقية بمثل ثقافة و موهبة كمال كيلا , ويذكر ان مجموعة من المعجبين الأمريكيين به قد عملوا عل قد قاموا بعمل أسطوانة له باسم ” مسلمين ومسحيين” بها عدد من اغانيه مثل ” الثورة الزراعية” ى ” شماشة” ” الوحدة الافريقية” ” مسلمين و مسيحيين ”
على الصعيد الشخصي كان كيلا انسان ودود جدا طيب القلب وحسن المعشر وكان متواضعا جدا بالرغم من شهرته الواسعة، وفى حفل تكريم له أقيم له بواسطة منتدى النيلين في 2019م شارك فيه عدد كبير من نجوم الفن والجاز وعلى راسهم شرحبيل احمد ملك الجاز بدا التأثر واضحا لدى كيلا من وجود شرحبيل في حفل تكريمه فقال مخاطبا شرحبيل أسعدني وجودك هنا لتكريمي يا فانت أستاذي الذي تعلمت منه الكثير!! وكان عليه الرحمة محبا للأطفال بصورة خاصة وفى بيته في حي الأزهري وكان يجد سعادته في تربية الطيور الملونة والطواويس البديعة الألوان والحمام الزاجل والببغاوات التي كانت تبهر الزوار بتقليدها لكلامهم والكلاب من اندر الفصائل كانت أيضا تجد مساحة كبيرة في منزله وكان يقول كان يقول ان لديه القدرة على التواصل معها.
وفى أواخر أيامه زاره صديقه الأستاذ محجوب فضل بدري وكتب يقول:
” زرته للمرة الأخيرة في منزله الذي لفته هدأةً مريبة، وغابت عنه كل الأصوات فألفيته يرتدى جبة وطاقية خضراوين وهو ساهم يحدق في اللاشئ، وقد فقد الذاكرة ومعها الاهتمام بكل هواياته وحيواناته الأليفة، فلفني الحزن ولم التقى به بعد ذلك حتى نعاه الناعى، رحمه الله رحمة واسعة واسكنه الفراديس العلى من الجنة ”
نسأل الله ان يرحم الأستاذ كمال الدين عثمان على كيلا ويغفر له ويتقبله القبول الحسن ويدخله فسيح جناته

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى