الأعمدة

أمواج ناعمة .. حول إجراءات تصنيف المنظمات الإرهابية ..د. ياسر محجوب الحسين

رغم المحاولات الإعلامية الدعائية لمليشيا الدعم السريع المتمردة على الدولة السودانية منذ منتصف ابريل الماضي، للتغطية على الجرائم التي ترتكبها ضد المواطنين السودانيين، إلا أن شناعة جرائمها نوعا وكما جعلت من تلك المحاولات أمرا مستحيلا. فقد بدت الرسالة الإعلامية لدى المليشيا، رسالة سياسية دعائية ونشاطا مصمما للتأثير على المتلقين بقصد إقناعهم بما لا يتفق والعقل السليم والمنطق الرشيد بغرض التغطية على الجرائم سعيا وراء منع تصنيف المليشيا باعتبارها منظمة إرهابية. والدعاية كما هو معلوم محاولة كسب مظهر الصدق، وليس بالضرورة أن تكون الرسالة صادقة فالمهم كسب ثقة المتلقي الضحية المراد إقناعه؛ فهي بالضرورة نشاط منظم يمارس على الرأي العام، لجعله يقبل بكل ما هو مغاير للحقيقة الجلية، خصوصا في المجالين السياسي أو العسكري.
وهكذا تعرف الدعاية السياسية أيضا بأنها سلوك طرق وأساليب مختلفة، لإخفاء الحقائق أو التدخل في تفسيرها أو حتى قلبها. وفي ظل تصاعد موجة الإرهاب أصبح الإعلام نهبا لمحاولات الجماعات الإرهابية لتطويعه واستغلال امكاناته التكنولوجية تحقيقا لأهدافها السياسية غير المشروعة عبر التباس الأيدلوجيا، بيد أن الجماعات الإرهابية تقصد الالتباس في ذاته وتفتعله، مثل التكييف الايديولوجي والجهوي بغطاء سياسي في أحيان كثيرة. وينغمس تفكير هذه الجماعات المنحرفة في الماضي أكثر من معايشة الحاضر والتخطيط للمستقبل، كما تحتفي بالموت أكثر مما تحتفي بالحياة. وفي تناقض بيّن، تتكلم باسم المجتمع وفي ذات الوقت تشكّك في أهلية هذا المجتمع، فالمجتمع عندها لا يجدر به أن يكون شريكا في ممارسة السلطة ولا في ممارسة حقوقه الديمقراطية.
ولحسن الحظ أن تقريرا أمميا بشأن ارتكاب مجازر في إقليم دارفور، كان قد قطع قول كل خطيب، وأفاد التقرير المقدم إلى مجلس الأمن الدولي بأن نحو 15 ألف شخص قتلوا في مدينة واحدة في منطقة غرب دارفور منذ اندلاع التمرد، في أعمال عنف عرقية نفذتها مليشيا الدعم السريع. ونقلت مقاطع مصورة، دفن أبرياء أحياءً وذبح آخرين في مشاهد هزت الضمير الإنساني هزاً عنيفاً. وعلى إثر ذلك طالبت وزارة الخارجية السودانية، بتصنيف مليشيا الدعم السريع منظمة إرهابية. وفي ذات الوقت تسعى لجنة حكومية سودانية لاستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي لاقرار هذا التصنيف على مليشيا الدعم السريع. وتعرف اللجنة باسم «اللجنة الوطنية لجرائم الحرب وانتهاكات مليشيا الدعم السريع» وشُكّلت بقرار من رئيس مجلس السيادة الانتقالي، حيث شرعت في إعداد مذكرة قانونية بتوقيع المدعي العام لجمهورية السودان، وهو أيضا رئيس هذه اللجنة. وبالفعل دونت اللجنة بلاغات تحت مواد من القانون الجنائي السوداني شملت الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والإبادة العرقية في ولاية غرب دارفور، وأصدرت أوامر بالقبض على قادة ومنسوبي مليشيا الدعم السريع والمتعاونين معها.
ولعل اجراءات تصنيف المليشيا منظمة إرهابية لا علاقة لها بأصل الخلاف السياسي الذي كان مدخلا لاندلاع الحرب، فقد تطور سريعا جرم المليشيا من استخدام العنف للاستيلاء على السلطة والتمرد على الدولة، إلى استهداف عرقي وجرائم ضد المدنيين شملت كل مناطق النزاع والاستعانة بالمقاتلين الأجانب من دول الجوار بل وحتى مقاتلي فاغنر الروسية. وبينما تستهدف في العادة الجهات العسكرية المتنازعة الأهداف العسكرية للخصوم، إلا أن مليشيا الدعم السريع ظلت تستهدف المواطنين وبيتوهم ومتلكاتهم، وبالتالي فإن هذه السلوك يدخل في اطار الإرهاب الممنهج.
وللإرهاب سياقات عديدة على مستوى الصراع الدولي أو الصراعات الداخلية، وقد اصبح يستخدم سياسيا كوسيلة للقهر والتصنيف التعسفي دون مبررات واقعية. وذلك مثل المماهاة بين الإسلام والإرهاب، مثل ما قال به المفكر الأمريكي صامويل هنتنجتون بأن «حدود الإسلام دموية وكذا احشاءه». وأغفل هنتنجتون القراءة الموضوعية لحقيقة الدين الإسلامي وحضارته، وفي مقابل ذلك ركّز على قراءة الأوضاع السياسية التي تقوم فيها الأنظمة المستبدة والجماعات الإرهابية بالدور الأساسي، ولذا لم يبن نظريته على رؤية موضوعية للحضارة الإسلامية التي لا يمثلها بالضرورة لا الإرهاب ولا الاستبداد. غير أن الإرهاب يشتمل على مجموعة من التهديدات المعقدة، وفق منظمة الإنتربول الدولي، مثل الجريمة المنظمة في مناطق الصراع، والمقاتلين الإرهابيين الأجانب. وتندرج هذه الأنشطة في سياق القرار 1540(2004) الصادر عن مجلس الأمن الدولي، الذي يقرّ بالدور الحاسم لسلطة الدول في مراقبة الحدود وجهود إنفاذ القانون.
ولعل الذي يقلق أن هناك جهات ودولا تبدو قرار تصنيفها للجهات الإرهابية له قوة معنوية وتنفيذية أقوى بكثير من تصنيف واجراءات منظمة الأمم المتحدة، وهنا تظهر اشكالية الاستخدام السياسي من قبل تلك الدول ضد دول أخرى أو ضد جماعات، ما يثير الجدل حول تعريف الإرهاب والفرق بينه وبين أعمال المقاومة ضد الاحتلال. فالعالم يعطي أهمية متعاظمة للقوائم التي تصدرها الولايات المتحدة الأمريكية التي تشمل الدول والمنظمات المشمولة بتصنيف الإرهاب وفقا للرؤية الأمريكية المنسجمة مع مصالحها واستراتيجياتها الدولية. ويتولى وزير الخارجية ووزير الخزانة الأمريكية بالتعاون مع وزير العدل، تقديم الأدلة والبيانات إلى الكونغرس الذي بدوره يوافق أو يعترض على تصنيف المنظمة أو الجماعة في لائحة الإرهاب وفقاً للمادة (219) من قانون الهجرة والجنسية الأمريكي.
ولكي يتم تصنيف أي جهة كمنظمة إرهابية، يجب أن تكون أجنبية ومنخرطة في أنشطة إرهابية، وتشكل أنشطتها تهديداً للأمن القومي الأمريكي أو أمن مواطني الولايات المتحدة. وبعد صدور قرار التصنيف تقوم وزارة الخارجية والخزانة الأمريكية بإعداد سجل عن الفرد أو المنظمة المعنية وتجميد أرصدة واصول الجهة او الفرد في الولايات المتحدة أو في المؤسسات الخاضعة لنفوذ وسيطرة أمريكيين وإخطار المؤسسات المالية الأمريكية بقرار الحظر وطلب حجز أرصدة الفرد أو الكيان. ويبقى التصنيف ساري المفعول حتى يتم إلغاؤه رسميا من قبل الحكومة الأمريكية أو انتهاء فترة صلاحية القرار أو إبطاله وفقا للقانون الأمريكي.
https://m.al-sharq.com/opinion/26/02/2024/حول-إجراءات-تصنيف-المنظمات-الإرهابية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى