الأعمدة

اكاد ابكي معه

اليوم صباحاً إسمتعت عبر المذياع الى عناوين الصحف ، أخبار مؤلمة قتل وتشريد وإضرابات وعجز فى الخدمات وحالة طوارئ يتم اعلانها على إثر تنامى فوضى أمنية خلفت قتلى ، عجز فى الإمداد المائى ، مفاوضات لتقليل تاثير ضريبة الانتاج المؤثرة على التصنيع ، تهديد بوقف الإمداد الكهربائى من قلب مروى بسبب مطالب ، أمريكى يجند قوة مسلحة بضواحى الخرطوم ، شبكات تنشط فى تزوير العملة ثم أخبار مخيفة عن تنامى وتفشى المخدرات وزيادة مراكز علاج الإدمان ، خبر عن الشرطة أن معظم الجرائم المرتكبة وراءها أجانب ،خبر بشأن شحنة السكر الفاسد . المذيع يتلون صوته حزنا (وأكاد أبكى معه) وهو يواصل تلاوة العناوين التى تعلن فى مجملها حالة أمنية خطيرة تعيشها البلاد ، فوضى تنذر بسقوط متواصل فى براثن المجهول . حتى الأخبار السياسية خلت من أى مفرحات فالساسة لا يزالون يواصلون فى توسيع الهوة وزيادة الفجوات وذرع المتفجرات وإستعمال لغة تجمع بين التهديد والتقليل لإسقاط الخصوم وتحقيق مكاسب بعضها تلمح فيه أثر سهام خارجية أبرز ما جاء فى ذلك اليوم تساؤلات عن لماذا ترفض مصر عودة حمدوك لرئاسة الوزراء ومصر هذه لغزمحير تبدع فى إخراج مشاهد تبرز دعمها للتحول الإنتقالى بينما لا تلمح تقدماً أو تاثيراً فاعلاً فقط مزيد من التعقيد يقود الى مزيد من المنابر التى تشبه (البنابر) فى قعدات القهوة تحت ظلال وارف الأشجار والحكايات ذاتها همساً أو صخباً . البلاد تمر بأقسى فتراتها ، عذابات تطول وسياط تلهب الظهور . كل المناحى والنواحى فى وطننا العزيز تتأوه ألما وتبكى حرقة .. كل المدائن تعيش حسرة ، كل القرى والحلال والفرقان قد اصابتها من المشهد علّة ، الإنسان فى بلدى مواجه بكم هائل من المكاره والشدائد فى صحته وتعليمه مأكله ومشربه بيئته وحتى دواخله ، إنسان تؤكد الأحداث تاثره الشديد بما يجرى ، الإجرام أصبح فعلا يومياً والمخدرات موت يعلن نفسه ، الإنزلاقات الأخلاقية أضحت داءاً سرطانياً ينخر فى عمق النسيج المجتمعى يمزق تماسكه ويخرق توازنه .. الفعل السياسى المتاهى الذى تدور فيه البلاد يبعدها كل حين عن مرتكزاتها ويضعضع أعمدتها ويضيع كل حلول ممكنة.. عدت من إغماءتى وشرود ذهنى الى أصوات الأبواق وصرير عجلات السيارات والى ذات المذياع والمذيع قد تحول الى الأخبار الرياضية وكأنها لم تريد أن تخرج من دائرة الخيبات الخبرية ذلك الصباح فقد نقل الخبر خسارة منتخبنا القومى بثلاثية وخروجه من دائرة التنافس من الأدوار التمهيدية بعد خسارتين على التوالى . رجاءاً سادتى فى الإذاعات المختلفة رفقاً بالمواطن وهو يتوجه صباحاً الى وجهته رجاء مراعاة الحد القليل جداً من المعنويات التى يختزنها والصعوبات الكبيرة والكثيرة التى يتشاغل عنها وهو يبحث عن منظر جميل فى الطريق الملئ بالنفايات والسيارات، فى الحافلة المهترئة شكلاً والمتسخة مضموناً ، قدموا محتوى مبهج جندوا له أفكاركم وأقلامكم وأحملوها أثيراً على متن أصوات ضاحكة ، جنبوها مغبة قراءة عناوين الصحف فإنها عناوين إتخذت من أحبارها سواداً ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى