الأعمدة

حرب المليشيات بين البرهان وحميدتي

حرب المليشيات بين البرهان وحميدتي : يوما بعد الاخر تتصاعد حدة الصراع بين مليشيا الحركة الإسلامية ( القوات المسلحة السودانية ) والتي يقودها الإنقلابي عبدالفتاح البرهان ومليشيا الجنجويد بقيادة حميدتي . الان دخل الصراع مرحلة جديدة قد تقود الى المواجهة المسلحة المباشرة بين الطرفين واختيار مدينة مروي أرضا للصراع . صحيح أن الجيش أو ماتبقى منه هو كيان عسكري يتسم بالإنضباط العسكري ولكنه في جوهره مليشيا خاصة للإخوان المسلمين بدليل العدد الكبير من المدنيين الإسلاميين الذين الحقوا ضباطا بالجيش بحكم الولاء للتنظيم دون المرور بالكليات العسكرية والتدرج في العلوم العسكرية . السؤال لماذا التصعيد في هذا التوقيت بالذات ؟ الإجابة نجدها في عدة نقاط أولا وهذا العنصر الأهم يجب إدراك أن هذا التصعيد يأتي في وقت تتأرجح فيه عملية الاتفاق الإطاري ، والذي في حالة التوقيع النهائي عليه سيفرز واقعا جديدا يفترض فيه تسليم الحكم لسلطة مدنية كاملة . ويلي ذلك تنفيذ مجموعة من الاتفاقات التي توصل لها الإطاري وأهمها مواصلة عمل لجنة تفكيك النظام الاسلاموي ومحاسبة مرتكبي المخالفات . بمعنى أن هذا الحراك من الجانبين بمثابة تموضع عسكري تحسبا لما يأتي . فالإنقلابي عبدالفتاح البرهان ومن خلفه الحركة الاسلامية يتوجسون أن يكون الوضع الجديد كارثي عليهم تماما لأنه يعيد محاسبة الاسلاميين ومؤكد ستعود قضية المجرمين الضالعين في مجزرة فض الاعتصام . وهنا نلاحظ التحرك المفضوح للصدام من جانب الإسلاميين فنجد رئيس المؤتمر الوطني بروفيسور إبراهيم غندور يعلن الجهاد ضد عدو غير معلوم ! وسبقه الدكاترة ناجي مصطفى كما يطلق عليه الثوار أيضا اعلن ووسط مجموعة مسلحة وبكامل عتادها الحربي عن الجهاد ضد الأغراب ( أمريكان وغربيين وداعمي الإطاري ) . وهو عمل متهور انتهى به الى المحاكمة وصدور حكم لعشرين عاما ( مع وقف التنفيذ ) وهذا ما يثير الاستغراب . أعقب ذلك محاولات من انصار المؤتمر الوطني تنظيم عدة مبادرات آخرها محاولة الإفطار في حي كوبر عند منزل الرئيس المخلوع عمر البشير والذي فضه أبناء الحي ومنعوا إقامته . ثم نجد حالة أخرى من التهديد بالعنف وهذه المرة أمام مؤتمر نظمته مبادرة الطيب الجد حيث تحدث أحدهم وطلب فتوى بقتل المبعوث الأممي فولكر علنا وأمام شاشات التفلزة التي تنقل الحدث . كلها دلائل تؤكد ان الاسلاميين في السودان باتوا على يقين من أن الوقت لم يعد يعمل لصالحهم . اللافت للنظر ان كل هذا الحراك يواجه من قوات الأمن والشرطة بحالة من عدم الاهتمام والتسامح وهو ماينفي الحديث المكرر للبرهان عن إبعاد المؤتمر الوطني عن الحياة السياسية . ثانيا أن الحرب الكلامية بين الجيش والدعم السريع تسارعت وتائرها في الفترة الأخيرة بشكل جعل الكثيرين يتخوفون من اندلاع العنف بين الغرماء الذي أصبح مسألة وقت . وهنا يتبادر السؤال هل مايجري في مروي بوادر نزاع مسلح أم مسرحية بين حلفين كما يراه البعض . وفي تقديري أنه الصراع العلني والمفتوح . صحيح أن الطرفين لايختلف أحدهما عن الاخر بل كانا طوال الوقت حليفين في كم من الجرائم التي وقعت في دارفور حيث لاتزال قوات الجنجويد تبطش وتقتل في قرى دارفور . وصحيح أنهما يتقاسمان مصالح اقتصادية متعددة الأوجه من تجنيد العسكر المرتزقة في حرب اليمن الى الاستثمارات في الذهب واستثمارات اقتصادية أخرى عبر المؤسسة العسكرية . وكلاهما يتربط ويتلقى عونا استخباراتيا من اسرائيل التي يرتبط بها كلاهما بعلاقة خاصة غير معروفة أبعادها . وكلاهما متعاون متربط بمجموعة فاغنر العسكرية الروسية . ويزيد البرهان على حميدتي بأنه يلعب على مجموعة من الحبال الإقليمية وخاصة مع مصر واسرائيل والإمارات وبشكل لم يسبقه عليه أحد . ويفترض هذا أنه بالسوداني ( رجل هوين أي رخيص ) والأرجح أنه سوف يوقعه ومعه البلاد في معضلة تشابك المصالح وتعددها والبيع بثمن بخس . وآية ذلك أنه يقايض جهات خارجية وفق بنود سرية ربما لايعلمها الا هو . فمن ناحية يمنح بسخاء موطئ قدم بحري لروسيا ، وقاعدة عسكرية لمصر في مدينة مروي شمال السودان لتكون بدورها قاعدة متقدمة لهجوم محتمل لضرب سد النهضة الأثيوبي . وإذا كانت مطامع حميدتي في الحكم قد باتت مثيرة للقلق لدى الاسلاميين لهوان شريكه البرهان ، فهو يعتمد على دعم غير غامض من الاسرائيليين من جهة ، واسناده لقوة فاغنر التي باتت لها سمعة وخبرة في الاقليم المحيط بالسودان غربا في افريقيا الوسطى الى دول الساحل في مالي وبوركينا فاسو . وفي الواقع فإن هوان البرهان يغري حميدتي بالحلم بحكم بلد يعيش أزمة حكم حادة . يدرك حميدتي وقد أظهر ذكاء فطري يحسب له في التعامل مع تعقيدات الواقع بأن ضغوط الاسلاميين عليه واستهدافه بات أمرا مسلما به . ولهذا فهو يجتهد في البحث عن حلفاء في الشارع الثوري من خلال حديث متكرر يحمل وقوفه مع الثوار في لجان المقاومة وداعما لمطامحهم في التغيير . بمعنى آخر أن حميدتي في مسعاه للعب دور سياسي أكبر يبحث عن حلفاء له في الشارع السياسي السوداني . مدركا بان كل الطرق تقود الى انتخابات مبكرة بموافقة أممية ولو بعد حين . وقد اهتم بالبحث عن حليف سياسي موثوق ومنذ وقت مبكر قصد فتح حوار مع الحزب الشيوعي السوداني لكنه قوبل في كل المرات التي تعددت بالرفض وجاءه الرد صريحا أن المطلوب قبل أي حوار رسمي أن يبرئ ساحته مما هو منسوب اليه من جرائم في دارفور ثم مجزرة القيادة كشرط مسبق . وحاول ذلك أيضا في حياة الصادق المهدي زعيم حزب الأمة برغم ماكاله من نقد واستهزاء بزعيم حزب الأمة . ويبدو أنه لم يصل الى اتفاق يضعه بمرتبة حليف للأمة . ومؤكد أن حميدتي لايثق في مستقبل سياسي للحركات المسلحة في دارفور برغم مايبدو عليه من اتفاق ظاهري ، والأرجح أنهم الأعداء المستقبليين من واقع تشابكات الإقليم في تشاد وافريقيا الوسطى و حتى مالي . هذا الأخفاق في إيجاد حليف سياسي حقيقي جعله يحاول إستمالة المزاج الشعبي و الثوار الى صفه . • مروي : سؤال يتبادر الى ذهني هل حميدتي نفسه من اختار فعلا ارسال قواته الى مروي بكل مايحمله ذلك من صدام متوقع أم أن قيادات الاسلاميين المزروعة في داخله هي من سولت له اتخاذ هذه الخطوة والتي تبدو متهورة لأقصى حد . ومن مروي يحاول مجددا دغدغة المشاعر الوطنية والرفض الشعبي للوجود العسكري المصري في مروي بالربط لوجوده هناك بإجلاء القوات المصرية . ويخطئ ثانية بتجاهل حقيقة التقارب وتوافق المصلحة القائم بين الحكومة المصرية والاسلاميين من وراء البرهان . وهذا مايجعلني أخشى تكرار استخدام القوة المصرية الباطشة التي دكت الجزيرة أبا معقل القوة المهدوية وسط السودان في مارس عام 1970 حينما استعان الرئيس نميري بالقوات المصرية الجوية في قاعدة وادي سيدنا . الآن عسكريا لا يمكن النظر الى خطوة حميدتي هذه سوى أنه مغرر به أو الدخول في تحد متهور . عسكريا فهو يتواجد بمنطقة مكشوفة وغريبة على جنده مايسهل عملية سحق قوته لفارق العدد وعامل الخبرة الى جانب قوات الجيش المدعوم مصريا . وتبدو هنا مساومة حميدتي والدعم السريع وربطه سحب قواته من مروي مقابل سحب القوات المصرية في غير محلها . فالأرض ممهدة لتوجيه ضربة قوية للدعم السريع ستكون من القوة بحيث ترعب ليس فقط الدعم السريع في مروي بل كل قواتها في المناطق المختلفة من السودان وتتعداها للحركات المسلحة التي انتقلت الى الخرطوم . ومهما كان الحال فالثابت أن عبد الفتاح البرهان يلعب أوراق الحركة الاسلامية التي تدرك ان الوقت قد مضى في غير صالحها ولذا تصرخ دون ان تخيف احدا وتدرك أنها في النزع الأخير . فقد تكسب معركتها مع حميدتي لكن هذا لن يكسبها مودة الشعب الذي حسم أمره تماما بأن لامكان للإسلاميين في الحياة السياسية في السودان ، ومن لايصدق فاليتأمل في دول شرق أوروبا التي اصبحت الأحزاب الشيوعية مجرد إثبات حالة في المجتمع وبعضا من الماضي .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى