رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير.. أسامة صالح

الأعمدة

عندما يختبرك القدر: رحلة من الظلم إلى العدالة الإلهية”

بقلم : المستشار معاوية أبوالريش “عندما تنقلب الحياة رأساً على عقب”
في لحظة واحدة، قد تتغير حياتك تماماً. لحظة واحدة كافية لتكتشف أن العالم الذي بنيته بعناية قد انهار، وأن الأشخاص الذين وثقت بهم قد خذلوك، وأن العدالة التي آمنت بها قد غابت عن الأنظار. هذه هي قصة كل إنسان تعرض للظلم، وواجه خذلان الأقربين، ووقف وحيداً في مواجهة عالم يبدو وكأنه تآمر ضده.
الظلم ليس مجرد كلمة نقولها عندما نشعر بالإحباط. إنه واقع مؤلم يعيشه الملايين حول العالم، واقع يحطم الأرواح ويكسر القلوب، ويجعل الإنسان يتساءل عن معنى العدالة في هذا العالم.
” عندما يصبح الأقرباء أعداء”
خذلان العائلة: الجرح الذي لا يلتئم
العائلة هي المكان الذي نتوقع فيه الأمان والحب والدعم. إنها الدائرة الأولى التي نلجأ إليها عندما يصبح العالم قاسياً علينا. لكن ماذا يحدث عندما تصبح هذه العائلة نفسها مصدر الألم؟ عندما نكتشف أن من كان من المفترض أن يحمينا، أصبح يتمنى سقوطنا؟
الحسد داخل العائلة هو أحد أقسى أنواع الألم النفسي. أن تجد شخصاً من لحمك ودمك يحسدك على نعمك، ويتمنى زوالها من يديك، هو شعور يفوق الوصف. إنه يهز أسس الثقة التي بنيناها منذ الطفولة، ويجعلنا نتساءل: إذا كان الأقربون لا يريدون لنا الخير، فمن يريده إذن؟
” الأصدقاء الذين تحولوا إلى غرباء”
الصداقة علاقة نختارها بحرية، نبنيها على أسس المحبة والثقة المتبادلة. لكن عندما تمر بمحنة، تكتشف معدن الأشخاص الحقيقي. بعضهم يقف معك في الشدة كما وقف معك في الرخاء، وبعضهم يختفي عندما تحتاجه أكثر ما تحتاج إليه.
خذلان الأصدقاء ألم مضاعف، لأنك لم تولد معهم مثل العائلة، بل اخترتهم بعناية. كنت تظن أنك تعرفهم جيداً، وأنهم يعرفونك. لكن المحن تكشف الحقائق، وتظهر أن بعض الصداقات كانت مجرد سراب.
” السنوات الطويلة من المعاناة”
حمل الألم في صمت
السنوات تمر ثقيلة عندما تحمل في قلبك ألم الظلم. كل يوم يمر يحمل ذكرى مؤلمة، وكل ليلة تأتي محملة بالأسئلة التي لا إجابة لها. لماذا حدث لي هذا؟ ماذا فعلت لأستحق هذا العذاب؟ متى ستأتي العدالة؟
الصمت يصبح رفيقك الوحيد، لأنك تعلمت ألا تثق في أحد. تحمل ألمك وحدك، تقاوم الانهيار، تحاول أن تبدو قوياً أمام العالم بينما قلبك ينزف في الداخل. هذا النوع من القوة لا يراه الناس، لكنه موجود، وهو أصعب أنواع القوة على الإطلاق.
“الإحباط والأمل المفقود”
في أحلك اللحظات، قد تشعر أن الأمل قد مات في قلبك. قد تنظر حولك فترى الظالمين ينعمون بحياتهم، بينما أنت تعاني. قد تسأل نفسك: أين العدالة؟ أين الله من كل هذا؟
هذه المشاعر طبيعية تماماً. إنها جزء من رحلة الألم، وليس عيباً أن تشعر بها. حتى الأنبياء والصالحون مروا بلحظات شك وإحباط. المهم هو ألا نستسلم للظلام، وأن نتذكر أن النور موجود، حتى لو لم نره في الوقت الحالي.
“الإيمان بالعدالة الإلهية”
الله يرى كل شيء
في قلب المعاناة، هناك حقيقة واحدة تبقى ثابتة: الله يرى كل شيء. كل دمعة ذرفتها، كل ليلة سهرتها في الألم، كل ظلم تعرضت له الله يراه جميعاً. وهو العادل الذي لا يظلم أحداً، والذي لا ينسى عبداً دعاه في ساعة ضعف.
العدالة الإلهية مختلفة عن العدالة البشرية. قد تتأخر، لكنها لا تغيب أبداً. قد لا نراها في الوقت الذي نريده، لكنها ستأتي في الوقت المناسب، بالطريقة المناسبة. الله لا يعجل لعجلة العباد، لكنه يعطي كل ذي حق حقه.
” الصبر كفضيلة وقوة”
الصبر ليس مجرد انتظار سلبي. إنه موقف إيجابي من الحياة، قرار واعٍ بالثبات على الحق رغم الصعوبات. الصبر هو أن تؤمن بالعدالة حتى لو لم ترها، وأن تثق في الله حتى لو لم تفهم حكمته.
الصابرون هم الأقوياء حقاً، لأنهم يقاومون اليأس ويحافظون على إيمانهم رغم كل التحديات. هم الذين يفهمون أن الحياة امتحان، وأن كل محنة تحمل في طياتها حكمة قد لا نفهمها في حينها.
” التوكل على الله”
التوكل هو أن تبذل السبب وتترك النتيجة لله. أن تعمل بجد لاستعادة حقوقك، لكن في نفس الوقت تؤمن أن النتيجة النهائية بيد الله. هذا لا يعني الاستسلام، بل يعني الثقة المطلقة في عدالة الله وحكمته.
عندما تتوكل على الله حقاً، تشعر بسكينة عجيبة. تعلم أن الأمور ستسير كما يريد الله، وأن ما يريده الله لك هو الأفضل، حتى لو لم تفهم ذلك في الوقت الحالي.
” علامات الفرج ووعد التعويض”
الجبر الإلهي
الله جبار، بمعنى أنه يجبر كسر المنكسرين، ويشفي جراح المجروحين. وعد الله بالجبر ليس مجرد كلمات تقال للتسلية، بل حقيقة ستراها بعينيك. ستأتي لحظة تشعر فيها أن الله يعوضك عن كل ما فقدت، بطريقة تفوق توقعاتك.
الجبر الإلهي قد يأتي على شكل فرص جديدة، أو أشخاص طيبين يدخلون حياتك، أو نعم لم تكن تتوقعها. المهم أن تفتح قلبك لاستقبال هذا الجبر، وأن تثق أنه آت لا محالة.
“رد الكيد في نحور الأعداء”
من سنن الله في الأرض أن الكيد السيء لا يحيق إلا بأهله. الذين ظلموك وكادوا لك، سيرد الله كيدهم إلى نحورهم. قد لا ترى هذا بعينيك، وقد لا تعرف متى وكيف، لكن ثق أنه حادث.
هذا لا يعني أن تتمنى الشر للآخرين، أو أن تفرح بمصائبهم. بل يعني أن تثق في عدالة الله، وأن تعلم أن الظلم له نهاية، والظالم سيلقى جزاءه عاجلاً أم آجلاً.
” البناء من جديد”
التعافي النفسي
التعافي من الظلم رحلة طويلة، تحتاج إلى صبر ووقت. لا تتوقع أن تنسى الألم بين ليلة وضحاها، ولا تلوم نفسك إذا كانت هناك أيام تشعر فيها بالحزن أو الغضب. هذه مشاعر طبيعية، والمهم هو ألا تستسلم لها.
ابحث عن الأشياء التي تجلب السكينة لقلبك. قد تكون الصلاة، أو قراءة القرآن، أو قضاء الوقت في الطبيعة، أو ممارسة هواية تحبها. المهم أن تجد طريقتك الخاصة للشفاء والتعافي.
” بناء الثقة من جديد”
بعد أن خذلك الكثيرون، قد تجد صعوبة في الثقة بالآخرين مرة أخرى. هذا أمر مفهوم، لكن لا تدع الجروح الماضية تمنعك من بناء علاقات صحية في المستقبل. ليس كل الناس متشابهين، وهناك أشخاص طيبون يستحقون ثقتك.
ابدأ بخطوات صغيرة، ولا تستعجل. دع الوقت يشفي جراحك، وثق في قدرتك على التمييز بين الناس. التجربة علمتك الكثير، واستفد من هذا التعلم في بناء علاقات أقوى وأصدق.
” إيجاد المعنى في المعاناة”
كل معاناة تحمل في طياتها درساً ومعنى. الألم الذي مررت به لم يكن عبثاً، بل كان تجربة صقلت شخصيتك وقوت إيمانك. أنت الآن أقوى مما كنت، وأكثر حكمة، وأعمق فهماً للحياة.
استخدم هذه التجربة لمساعدة الآخرين الذين يمرون بظروف مشابهة. شاركهم خبرتك، وقدم لهم الدعم الذي كنت تتمنى أن تجده. هكذا تحول ألمك إلى قوة، ومعاناتك إلى رسالة.
” النظر للمستقبل بأمل”
الشمس تشرق من جديد
مهما طالت ليلة المعاناة، فإن الصباح قادم لا محالة. ستأتي أيام تبتسم فيها من قلبك، وتشعر بالسعادة الحقيقية. ستنظر للوراء وتدرك أن كل ما مررت به كان جزءاً من رحلتك نحو الحكمة والقوة.
لا تفقد الأمل أبداً، مهما كانت الظروف قاسية. الحياة مليئة بالمفاجآت الجميلة، والفرح يأتي عندما لا نتوقعه. احتفظ بقلب مفتوح لاستقبال الخير، وثق أن أفضل أيامك لم تأت بعد.
تجربتك مع الظلم والمعاناة ليست مجرد قصة شخصية، بل درس يمكن أن ينفع الآخرين. شاركها مع أطفالك، مع أصدقائك، مع كل من يحتاج إلى سماعها. علمهم أن الحياة قد تكون قاسية أحياناً، لكن الإيمان والصبر يمكنهما تحويل أقسى التحديات إلى أعظم الانتصارات.
هذه الدروس ستنتقل من جيل إلى جيل، وستكون مصدر قوة وإلهام لأشخاص لم تقابلهم بعد. هكذا تصبح معاناتك جسراً يعبر عليه الآخرون نحو النور.
” وعد الله للمظلومين”
في نهاية هذه الرحلة الطويلة من الألم والمعاناة، نصل إلى حقيقة واحدة بسيطة وعميقة: الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً. كل دمعة ذرفتها، كل ليلة صبرت فيها، كل لحظة ألم تحملتها – كلها محسوبة عند الله، ولها أجر عظيم.
المظلوم له مكانة خاصة عند الله. دعوته مستجابة، وحقه محفوظ، ونصره قادم. قد يتأخر هذا النصر، لكنه حتمي. وعد الله للمظلومين وعد صادق، لا يخلف الله الميعاد.
إذا كنت تقرأ هذه الكلمات وأنت تمر بظلم أو معاناة، فاعلم أنك لست وحدك. الله معك، والملايين من البشر مروا بما تمر به وخرجوا منه أقوى وأحكم. تمسك بالأمل، واثبت على الحق، وثق أن الفرج قريب.
“وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ”
هذا وعد الله، وهو خير الواعدين.

زر الذهاب إلى الأعلى