رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير.. أسامة صالح

الأعمدة

تلاشي أقنعة المرتزقة: عندما يتجلى صوت الحق في ساحة الإعلام”

قلم /المستشار معاوية أبوالريش
في مشهدٍ تلفزيوني بالغ الدلالة، شهدت منصة الجزيرة مباشر حواراً كاشفاً للحجب، استضاف فيه الإعلامي المصري الكبير أحمد طه شخصيتين من طرفي النقيض في المشهد السياسي السوداني: المهندس شريف محمد عثمان، الأمين السياسي لحزب المؤتمر السوداني، ومن يُدعى بـ”الدكتور” مزمل أبو القاسم، الصحفي المتحول من دهاليز الرياضة إلى أروقة السياسة.
” في محراب الحقيقة تسقط الأقنعة”
تجلّت في هذه المواجهة سنة كونية قديمة: أن صاحب الحجة البيّنة والمنطق القويم يسمو بخطابه فوق ضجيج المراوغين. فقد برع المهندس شريف محمد عثمان في تقديم محاججة رصينة، متسلحاً بذخيرة معرفية وافرة وفكر منهجي مُحكم، مما أظهر محاوره في صورة المبتدئ الذي يتخبط في أمواج المعترك السياسي العميق.
ولعل الفارق الجوهري في هذا اللقاء لم يكن مقتصراً على قوة الحجة فحسب، بل تجاوزه إلى فن الإنصات والتحاور الراقي الذي أبداه شريف، حيث كان يستمع بتمعن لمحدثه دون أن يقاطعه البتة، في حين عجز مزمل أبو القاسم عن كبح نوازع الاندفاع والمقاطعة المتكررة، مما استدعى تدخل مقدم البرنامج مراراً لتذكيره بآداب الحوار وأصول المناظرة الرفيعة.
” عندما يُكشف زيف الأصوات المأجورة”
ليس هذا المشهد استثناءً في سياق المواجهات الإعلامية التي تضع الحق أمام الباطل. فقد سبق أن شهدنا نموذجاً مشابهاً في مناظرة جمعت المهندس شريف مع الصحفي ضياء الدين بلال، أحد الأبواق الإعلامية المحسوبة أيضاً على نظام البشير وحزب المؤتمر الوطني المحلول.
ما يتجلى من خلال هذين النموذجين مزمل أبو القاسم وضياء الدين بلال هو نمط ممنهج من سلوك المرتزقة الإعلاميين الذين ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا أدوات في يد السلطة الجائرة. إنهم يفتقرون إلى الحجة الدامغة والبرهان الساطع في دفاعهم عن مواقفهم، لأنهم ببساطة آثروا الانحياز إلى معسكر الفساد والاستبداد، مضحين بمصالح الشعب السوداني على مذبح مكاسبهم الشخصية.
” المنافع المادية: ثمن الارتهان للباطل”
لقد غنم هؤلاء الإعلاميون المأجورون امتيازات مادية طائلة نظير تحولهم إلى أبواق دعائية تمجد نظاماً أثقل كاهل الوطن بالظلم والفساد. باعوا رسالتهم المهنية النبيلة وقيمهم الأخلاقية بثمن زهيد، متناسين أن جوهر الرسالة الإعلامية الحقة هو الانتصار للحقيقة والانحياز لقضايا الوطن والمواطن.
ومما يثير التساؤل حقاً تزيُّن بعضهم بألقاب علمية كـ “الدكتور” دون استجلاء لحقيقة هذه الشهادات ومصدرها الأكاديمي. فهل هي شهادات معتمدة تم نيلها وفق المسارات العلمية المتعارف عليها عالمياً؟ أم هي مجرد ألقاب فخرية تُمنح في إطار شبكة المصالح والنفوذ، على غرار تلك التي نالها بعض رؤساء الأندية الرياضية المقربين من دوائر النظام البائد؟
” أسرار صمود الحق أمام زيف المرتزقة”
إن ما يُميز صاحب الحق في أي مناظرة هو امتلاكه لثلاثة أركان: صلابة المنطق، وقوة البرهان، ورصانة الخطاب. وهذا ما تجلى في أداء المهندس شريف محمد عثمان، الذي استطاع بكفاءة عالية تفكيك خطاب المرتزقة الإعلاميين، وكشف تناقضاتهم، وإبراز افتقارهم للحجة المقنعة.
في المقابل، يسعى المأجورون عادة إلى تعويض ضعف حجتهم بأساليب المقاطعة والصراخ والتشويش، في محاولة يائسة لحجب صوت الحق الذي يخترق آذانهم كالسهام. وما مقاطعات مزمل أبو القاسم المتكررة إلا دليل على إفلاسه الفكري وعجزه عن مجاراة محاوره في ساحة المنطق والبرهان.
” انتصار الحقيقة حتمية تاريخية”
في المحصلة النهائية، تبقى الحقيقة جلية: صوت الحق المستند إلى الأدلة والبراهين سيظل أقوى وأبقى من ضجيج المرتزقة مهما علت أصواتهم وتعددت منابرهم. فالتاريخ يشهد أن الباطل وإن صال وجال لحين، فهو إلى زوال وانحسار.
وما شهدناه في هذا اللقاء التلفزيوني ليس سوى نموذج مصغر لصراع أزلي بين الحق والباطل: فبائعو الضمائر قد يكسبون معارك عابرة، لكنهم حتماً سيخسرون حرب المصداقية والتاريخ. وسيبقى السؤال الجوهري المطروح على ضمير كل إعلامي: هل تستحق المكاسب المادية الزائلة التضحية بشرف المهنة وأمانة الكلمة ونبل الرسالة؟

زر الذهاب إلى الأعلى