رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير.. أسامة صالح

الأعمدة

حروب السودان ماهي جذور الأزمة وكيفية سبل الحل النهائي نحو استقرار دائم.

✍🏻المستشار/مهيد شبارقة
في كل مرة يعلن فيها عن وقف إطلاق نار في السودان يسود اعتقاد خادع بأن البلاد قد تلامس أخيرا ضفة السلام
لكن ما تلبث البنادق أن تعود إلى صخبها في مشهد يعكس أزمة سودانية عميقة تتجاوز الأفراد واللحظة لتغوص في جذور التاريخ وبنية الدولة وصياغة المشروع الوطني نفسه فمنذ استقلال السودان في 1956 لم تعرف البلاد استقرارا طويل الأمد حيث توالت الحروب والنزاعات المسلحة من /الجنوب سابقا إلى /دارفور ثم إلى /جبال النوبة و/النيل الأزرق وصولًا إلى /العاصمة الخرطوم نفسها بعد اندلاع الحرب العبثية الأخيرة في 15 أبريل 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع بايعاز من تنظيم الحركة الاسلامية
هذه الحروب لم تكن محض صدفة بل ثمرة تاريخ طويل من /الأخطاء السياسية البنيوية و/انعدام التوازن التنموي و/احتكار السلطة و/ضعف الدولة الوطنية..!!!
#أولًا: الجذور العميقة للأزمة السودانية:
١/فشل المشروع الوطني بعد الاستقلال:
فلم تنجح النخب السياسية السودانية التي ورثت الحكم بعد الاستعمار البريطاني المصري في تأسيس مشروع وطني جامع كان خطابها في كثير من الأحيان نخبويا قاصرا عن /تمثيل التنوع الثقافي والديني والإثني في السودان أدى هذا الفشل إلى شعور قطاعات واسعة من الشعب بالتهميش خصوصا في /جنوب السودان مما أسهم في اندلاع أول حرب أهلية بعد عام واحد فقط من الاستقلال.
٢/الهوية المختطفة:حيث ظل سؤال الهوية الوطنية في السودان معلقا دون إجابة.
#هل السودان بلد عربي قح..؟ أم افريقي بحت..؟
مسلم بالكامل…؟
ام متعدد الديانات..؟
وقد تلاعبت الأنظمة الحاكمة بالهوية منذ الاستقلال بما يخدم توجهاتها الأيديولوجية مماخلق انقساما حادا بين (المركز والهامش) وغذى الشعور بالاغتراب الثقافي والسياسي لدى شعوب الهامش.
٣/الانقلابات العسكرية وتسييس المؤسسة الأمنية:
فمنذ انقلاب /إبراهيم عبود عام 1958 عرفت البلاد سلسلة من الانقلابات العسكرية أبرزها في 1969 بقيادة /جعفر نميري ثم انقلاب /عمر البشير والترابي في 1989 وأسهم هذا المسار في /عسكرة السياسة و/تسييس الجيش و/تفكيك المؤسسات المدنية…!! الأسوأ أن الحركات المسلحة نفسها بدأت تنحو منحى عسكريا بحتا مما أضعف فرص بناء تسوية سياسية شاملة.
٤/الاستقطاب الإثني والجهوي:
فقد لعبت كافة الحكومات المتعاقبة بورقة القبائل والجهويات بشكل مدمر حيث تم تسليح الميليشيات على أسس إثنية (كما حدث في دارفور بدعم الجنجويد) لتقويض حركات التمرد مما رسخ الانقسامات المجتمعية وأدى لانهيار العقد الاجتماعي الثابت.
٥/تآكل الدولة المركزية وتفشي الفساد والمحسوبية لعقود:
لم تبن في السودان مؤسسات دولة حديثة تقوم على الحوكمة الرشيدة فغابت العدالة الاجتماعية وتفشى الفساد والمحسوبية ما عمق فجوة الثقة بين ((الدولة والمجتمع)) فكانت النتيجة أن سعت كل جماعة لحمل السلاح لتأمين مصالحها في ظل غياب الدولة….!!
#ثانيا: ملامح الحل النهائي الممكن: فالسودان لايحتاج فقط إلى وقف الحرب الحالية بل إلى مشروع وطني شامل يعيد تأسيس الدولة من جذورها على أسس جديدة تضمن عدم تكرار المآسي السابقة ومن أبرز مقومات هذا الحل:
١/مؤتمر حوار وطني شامل
بعيدا عن سيطرة النخب النيلية التقليدية والمكونين العسكريين فيجب عقد مؤتمر وطني جامع يشارك فيه ممثلو كافة الأقاليم والمجتمعات المتأثرة بالحرب بما في ذلك /الحركات المسلحة /قوى المجتمع المدني /النساء /الشباب و/المغتربون.
ويجب أن يكون الحوار شفافا ومفتوحا يناقش أسئلة /الحكم و/الهوية و/الثروة والسلطة ويضع عقدا اجتماعيا جديدا.
٢/إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية والأمنية:فلا استقرار في السودان دون /وجود جيش وطني قومي مهني واحد يخضع كاملا لسلطة المدنية اسوة ببقية الدول و/يبتعد تماما عن العمل السياسي ويجب انفاذ نداء الثوار /بحل كافة الميليشيات ودمج من يرغب منها وفق معايير مهنية محددة بعيدا تماما عن المحاصصات السابقة مع مراقبة دولية محايدة.
٣/العدالة الانتقالية والمحاسبة: لا يمكن طي صفحة الحروب دون محاسبة من ارتكبوا كافا الجرائم والانتهاكات بحق المدنيين
فالعدالة الانتقالية ضرورية لإعادة بناء الثقة كما يجب /رد المظالم و/تعويض كافة الضحايا ماديا ومعنويًا.
٤/نموذج جديد للتنمية المتوازنة: لابد من تفكيك المركزية المفرطة في الخرطوم عبر اعتماد نموذج تنموي يراعي التوازن الجهوي ويمنح الأقاليم /سلطات حقيقية و/موارد كافية فلا يمكن بناء السلام في /دارفور أو/ النيل الأزرق أو /الشرق إن لم يشعر المواطن هناك بأن له نصيبا في السلطة والثروة اسؤة بغيره.
٥/ صياغة دستور دائم بمشاركة كافة اطياف المجتمع:
فالسودان يحتاج إلى دستور جديد يصاغ من القاعدة إلى القمة عبر نقاشات مجتمعية حقيقية ويجب أن يعترف الدستور بالتعددية الثقافية واللغوية ويضمن فصل السلطات وحقوق الإنسان والحريات الأساسية ويمنع عسكرة الدولة.
#ثالثًا: إلى أين يسير السودان إن لم يعالج جذور ازماته..؟
إن لم تعالج جذور الأزمة فحتى لو توقف القتال مؤقتًا فإن الحرب ستعود بأشكال جديدة /فالتهجير و/النزوح و/انهيار الاقتصاد و/الفساد
كلها أعراض لأزمة سياسية عميقة تستدعي إعادة بناء الدولة السودانية من الصفر فما يحدث اليوم ليس سوى حلقة جديدة من /مسلسل استمر لعقود طويلة لكن هذه المرة لا يبدو أن النسيج الوطني قادر على التحمل أكثر..!!!
#خاتمة:
لا مخرج للسودان كبلد إلا عبر الاعتراف الصادق بأن /جذور الحروب /فينا نحن كشعب متسامح وفي /بنية دولتنا وفي /خطاباتنا على نشر الكراهية والعنصرية والجهويةوفي /ثقافة الإقصاء وممارسة/العنف التي تراكمت عبر السنين فإن كانت هذه هي المرة الأولى التي تصل فيها الحرب إلى قلب العاصمة فلعلها تكون المرة الأخيرة إذا قرر السودانيون بنخبهم وشعوبهم أن /يواجهوا الحقيقة كاملة و/يؤسسوا معا لسلام عادل مستدام فإما أن ننجو معا أو نغرق جميعا

زر الذهاب إلى الأعلى