” من عدالة عمر بن عبدالعزيز إلى نهب الإخوان المسلمين: كيف شوه النفاق وجه الإسلام في السودان”

بقلم : المستشار: معاوية أبوالريش
في زمن الخليفة العادل عمر بن عبدالعزيز، كان الإسلام منهج حياة يتجسد في كل تصرف، وكان العدل فوق كل اعتبار حتى لو تعارض مع المصالح الدينية الظاهرية. وقد حدثت في عهده قصة تكشف لنا الفرق الشاسع بين الإسلام الحقيقي والإسلام المزيف الذي شهدناه في السودان على مدى ثلاثة عقود من الحكم الإخواني المدمر.
أراد مجموعة من التابعين في عهد عمر بن عبدالعزيز بناء مسجد كبير، وكان وضعهم المالي ميسوراً بفضل الله. اختاروا قطعة أرض مطلة على ثلاثة شوارع، لكنهم احتاجوا لتوسيع المسجد إلى بعض الأمتار من قطعة أرض مجاورة مملوكة لرجل نصراني تربطهم به علاقة طيبة وصداقة وتجارة. ظن هؤلاء التابعون أن صاحب الأرض لن يمانع في أخذ بعض الأمتار لبناء بيت من بيوت الله، خاصة وأنهم يعاملونه كأحد منهم ويشاركونه أفراحه وأحزانه، فأخذوا من أرضه دون استئذان وشرعوا في البناء. النصراني علم بالأمر لكنه لم يعترض في حينها، ربما خجلاً أو حياءً من أصدقائه.
بعد اكتمال المسجد وافتتاحه للصلاة وأصبح أكبر مسجد في المنطقة، ذهب النصراني إلى الخليفة عمر بن عبدالعزيز يشكو أن هؤلاء أخذوا من أرضه أمتاراً دون إذنه أو مشورته. لم يتردد الخليفة في استدعائهم، وعندما سألهم عن الأمر اعترفوا بالواقعة ولم ينكروها. هنا كانت اللحظة الفاصلة التي تكشف جوهر الإسلام الحقيقي: أمر عمر بن عبدالعزيز بهدم المسجد بأكمله!
اندهش القوم وقالوا في ذهول: “يا أمير المؤمنين، لقد كلفنا بناء هذا المسجد أموالاً طائلة، وهو في النهاية بيت من بيوت الله تعالى، فكيف تأمر بهدمه لإرضاء هذا النصراني؟” لكن الخليفة العادل أجابهم بحزم وحكمة: “إنكم بنيتم مسجداً على أرض مسروقة، فكيف تقيمون بيتاً من بيوت الله على أرض مسروقة؟” بعد حوار وجدال طويل، أعطاهم الخليفة يوماً واحداً للتفاوض مع النصراني وإيجاد حل عادل.
جلس التابعون مع النصراني وحاولوا إقناعه قائلين: “هل قصرنا معك في شيء من قبل؟ نحن لم نقم على الأرض عملاً تجارياً، بل مسجداً للعبادة، وقد كلفنا ذلك مبالغ كبيرة جداً، ولماذا لم تعترض منذ الوهلة الأولى حين شرعنا في البناء؟” لكن النصراني أصر على موقفه واسترداد حقه. عندها طلبوا منه شراء الأمتار، فطلب ثلاثة أضعاف قيمة الأرض كاملة، فوافقوا مجبرين على هذا السعر المضاعف.
في اليوم التالي، دخلوا على الخليفة وأخبروه بالاتفاق، فأمر عمر بن عبدالعزيز بخروجهم جميعاً وأبقى النصراني وحده. وفي خلوة صادقة مع النصراني، سأله الخليفة بعطف: “لعلهم أخافوك؟” قال النصراني: “لا والله.” فسأله: “لعلهم قالوا لك لن نتاجر معك مرة أخرى؟” قال: “لا، لم يقولوا ذلك.” عندها قال له الخليفة العادل بصدق مطلق: “إن كانت لديك حاجة للمال، أعطيتك المال هدية مني وهدمت المسجد وأعدت لك أرضك.”
هنا اندهش النصراني من هذا العدل المطلق والإنصاف النادر، وسأل الخليفة: “أهكذا أنت يا عمر، أم الإسلام؟” فأجاب الخليفة بثقة المؤمن الصادق: “بل الإسلام.” في تلك اللحظة أسلم النصراني وقال: “أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأشهد أنك حكمت بحكم تعجز عنه جميع الرجال.”
هذه القصة الرائعة تجسد الإسلام الحقيقي الذي يقوم على العدل والإنصاف وحفظ الحقوق، حتى لو كان ذلك على حساب المصالح الدينية الظاهرية. عمر بن عبدالعزيز لم يتردد في هدم مسجد بُني على أرض مغتصبة، لأنه فهم أن الإسلام ليس مجرد شعارات ومباني، بل منهج أخلاقي يتجسد في العدل والنزاهة والصدق. لقد جعل احترام حق النصراني أولى من إبقاء المسجد، وبهذا العدل أسلم الرجل واقتنع بصدق هذا الدين.
لكن ماذا لو قارنا هذا المشهد النبيل بما شهده السودان المسكين على مدى ثلاثة عقود كاملة من حكم الإخوان المسلمين؟ لقد رفع هؤلاء المنافقون شعارات الإسلام والشريعة وخدعوا الشعب السوداني البسيط بكلمات براقة عن تطبيق أحكام الله وإقامة الدولة الإسلامية. لكن الواقع كان أسود من الليل ومناقضاً تماماً لكل ما نادوا به. بينما كانوا يرددون آيات القرآن على المنابر ويتحدثون عن العدالة الإسلامية، كانوا في الخفاء ينهبون أموال الدولة ويسرقون موارد الشعب ويقسمونها فيما بينهم كغنائم حرب.
لقد حولوا السودان من بلد زراعي غني بموارده الطبيعية إلى دولة فقيرة مدينة، ونهبوا كل شيء باسم الدين. سرقوا أموال النفط والذهب والأراضي والبنوك، واستولوا على المؤسسات الاقتصادية، وأفقروا شعباً كان يعيش في رغد من العيش. كانوا يتحدثون عن محاربة الفساد وهم أكبر الفاسدين، ويدعون العدالة وهم أظلم الظالمين، ويرفعون راية الإسلام وهم أبعد الناس عن تعاليمه.
أين هؤلاء المنافقون من عدل عمر بن عبدالعزيز الذي أمر بهدم مسجد لأنه بُني على أرض مغتصبة؟ هؤلاء بنوا إمبراطوريتهم المالية كلها على النهب والسرقة، وشيدوا قصورهم من أموال الشعب المنهوبة، واغتنوا من دماء الفقراء والمساكين. لقد اغتصبوا حقوق الأمة كاملة وليس مجرد أمتار من الأرض، ومع ذلك لم نرَ منهم ذرة من الندم أو العدول عن الظلم.
وقد شهد بسوء صنيعهم وفساد أخلاقهم شيخهم وعرابهم الذي كان يُعتبر مرشدهم الروحي، حسن الترابي، حين قال عنهم في صراحة مرة: “لقد أكلوا المال العام أكلاً عجيباً.” هذه شهادة من أستاذهم ومعلمهم تكشف حقيقة نفاقهم الأسود وانفصال شعاراتهم الدينية عن سلوكهم الإجرامي. إذا كان شيخهم نفسه يشهد عليهم بالنهب والسرقة، فكيف يدعون تطبيق شريعة الله وهم يخالفون أبسط مبادئ الدين؟
لقد خدع هؤلاء المنافقون الشعب السوداني لثلاثة عقود كاملة بشعارات الدين الزائفة، وتحت غطاء تطبيق الشريعة الإسلامية مارسوا أبشع أنواع الظلم والاستبداد. استخدموا المساجد منابر للكذب والخداع، وحولوا الدين من منهج عدالة ورحمة إلى أداة للقهر والنهب. كانوا يقطعون أيدي الفقراء الذين يسرقون رغيف خبز من الجوع، بينما هم يسرقون مليارات الدولارات دون أن يطبقوا على أنفسهم حكماً واحداً من أحكام الشريعة التي يدّعون تطبيقها.
الفرق بين عمر بن عبدالعزيز وهؤلاء الإخوان المنافقين كالفرق بين النور والظلمة، بين الصدق والكذب، بين العدالة والظلم. عمر بن عبدالعزيز جعل العدل فوق كل اعتبار وضحى بمسجد من أجل حق نصراني، بينما هؤلاء ضحوا بحقوق أمة كاملة من أجل إشباع جشعهم ونهمهم للثروة والسلطة. عمر بن عبدالعزيز جسد الإسلام في سلوكه فأسلم على يديه النصراني، بينما هؤلاء شوهوا وجه الإسلام بسلوكهم المنحرف ونفروا الناس من الدين.
إن ما فعله الإخوان المسلمون في السودان ليس إسلاماً بل إفساداً للإسلام، وليس تديناً بل استغلالاً للدين لتحقيق مآرب دنيوية. لقد كانوا أشبه بالذين بنوا مسجداً في قصة عمر بن عبدالعزيز على أرض مغتصبة، لكنهم أسوأ منهم بكثير لأن أولئك اغتصبوا أمتاراً قليلة دون قصد سيء، بينما هؤلاء اغتصبوا دولة كاملة بقصد إجرامي واضح.
لقد آن الأوان للشعب السوداني أن يعرف الفرق بين الإسلام الحقيقي والإسلام المزيف، بين العدالة الربانية والظلم الشيطاني، بين الصدق النبوي والكذب الإبليسي. الإسلام الحقيقي هو ما جسده عمر بن عبدالعزيز من عدل وإنصاف ونزاهة، وليس ما مارسه الإخوان المسلمون من نهب وسرقة وخداع. إن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ”، وهذا هو حال هؤلاء المنافقين الذين قالوا ما لم يفعلوا وادعوا ما لم يصدقوا.
إن التاريخ سيسجل أن هؤلاء الإخوان المنافقين شوهوا وجه الإسلام في السودان وأساؤوا إليه أكثر مما أحسنوا، وأنهم كانوا عقبة في طريق التقدم والازدهار بدلاً من أن يكونوا بناة حضارة ونهضة. أما الإسلام الحقيقي فيبقى كما كان في عهد عمر بن عبدالعزيز: ديناً للعدالة والرحمة والإنصاف، لا للظلم والنهب والاستبداد.