الأعمدة

حروب اليوم ..ليست كما الامس يا سادة !

حينما ارسلت بريطانيا العظمى حينها جيوشها لغزو السودان في ظل دولة المهدية وكان على راسها الخليفة عبد الله التعايشي وذلك للاخذ بثار غردون باشا الذي قتل اثناء قيادة الامام المهدي وقبل وفاته في سن مبكر .
جاء الإنجليز باحدث المعدات لمواجهة جيش الانصار المتواضع الإمكانات و تجلت بسالة اولئك الرجال حينما تنادوا بعبارة ( سدوا الفرج ..الدين منصور ) ولم تمض الا ساعات وكان الآلاف منهم يرقدون متوسدين الشهادة في سبيل الله والمبدا لتبدا دولة المهدية في الانزواء وحينها ذكر ونستون السياسي الفذ لا حقا والذي كان صحفيا يقوم وقتها بتغطية تلك المعركة فذكر في كتابه ( حرب النهر )حينما قال معقبا على تلك الموقعة ..اننا لم نهزمهم بل حصدناهم حصادا !
تلك كانت طبيعة المواجهات المباشرة التي تحسم فيها المعارك في ساعات او قل ايام ..لكن مجريات الامور ظلت تتحرك مع تطور الازمنة فتدخل العناصر الحديثة التي تغني عن الصدام عن قرب بين الجنود والاليات تتمثل في استخدام اجهزة الرصد و التلصص و الهجوم من على البعد وكل محدثات التقدم التقني التي تطيل اماد الحروب.. والا لما استطالت حرب اليمن رغم حشود الجيوش التي استنفرها تحالف عاصفة الحزم في مواجهة مليشيا الحوثي وان كانت مدعومة من إيران وحزب الله !
ولما امتدت حرب روسيا بكل عظمة تسليحها حتى بلغت خمسمائة يوم ولم تستطع حسم معركتها مع اوكرانيا المدعومة من الغرب !
لان حروب هذا الزمن لا تخوضها الاطراف المعنية بها لوحدها وانما يكون فيها اطراف الإمداد الخفية و المساندة من خلف ستار !
لذا تصبح وعود قيادة ومؤيدي هذا الطرف او ذاك في حربنا اللعينة الحالية بقرب لحظة الحسم الانتصار على الخصم الاخر مجرد امنيات يدحضها الواقع على ارض السجال .
فكم يسؤونا ولا يسرنا ان نسمع ونشاهد صررا لضباط من جيشنا الوطني يقتلون او يؤسرون على ايد من دربوهم و جعلوا منهم قادة وجنودا فانقلبوا عليهم حينما تباعدت المصالح بين القادة الكبار من الطرفين وزجوا برفاق الامس في نفق العداوة المظلم وهو طويل لايبدو اي بصيص ضوء في آخره قد يصل باحد الفريقين الى نقطة الحسم المتوهمة
فيصبح تحكيم العقل هو الانجع في حسم الأمور اكتفاء بهذا القدر من الخسائر البشرية والمادية وحالة التشرد و التمزق الاجتماعي والتنافر القبلي الذي ينذر باندلاع حرب اهلية لن يبقى معها سودان الغد كما هو اليوم رغم علات تماسكه الهش .
نعم هناك تجاوز من طرف مليشيا الدعم السريع بتحويل مجربات هذه الحرب من الميدان العسكري إلى استعداء المجتمع بل الشعب كله .. ولكن يقابل ذلك ايضا حالة من تدمير البنى والعمران بطيران الجيش تعقبا للعدو الذي تسلل وسط الدروع البشرية .
ولكن المسئول الاول عن كل هذا وذلك هو الحرب في حد ذاتها ولن نضمن عدم تفاقم الامور الى ماهو اسوا الا بايقافها والركون إلى الحكمة و الضغط على مكامن غضب النفوس بدلا عن وضع الاصابع على الزناد الاعمى الذي لا يفرق بين كائن واخر .
والله من وراء القصد .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى