يمر بمرحلة حرجة، ويواجه تحديات جسيمة،، الإعلام السوداني.. اختبار مهني..
مطالبة بتقوية البيئة الإعلامية، وحمايتها من جرثومة التسييس..

تشديد على ضبط تداول المعلومات داخل مؤسسات الدولة..
عوض: يحذر من اللهث وراء “السبق ” وتناسي الأمن القومي..

تقرير: إسماعيل جبريل تيسو..
يواجه الإعلام السوداني في هذه الأيام موجة عالية من الشد والجذب عطفاً على ما يثار من تسريبات لاجتماعات مسؤولين رفيعي المستوى بالدولة، وهي خطوة فجَّرت براكين من الجدل والنقاشات الساخنة في الفضاء الإلكتروني، وأكدت على حقيقة الواقع الحرج الذي يمر به الإعلام عامة، والصحافة على وجه الخصوص في مرحلة دقيقة تتقاطع فيها المسؤوليات المهنية مع تعقيدات المشهد السياسي والأمني، في ظل استمرار الحرب وتنامي حالة من الجدل الواسع والانقسامات في المشهد السوداني.
ضعف وهشاشة:

ووفقاً لشكل ومستوى النقاشات الساخنة على منصات التواصل الاجتماعي، فإن هذه التسريبات سواءً كانت صحيحة أم مفبركة، فإنها تعكس هشاشة البيئة الإعلامية والسياسية، وضعف منظومة ضبط تداول المعلومات داخل المؤسسات ومنظومة الحكم، وتكشف في الوقت نفسه حجم الاختراقات التي تطال أجهزة الدولة، وهو أمر يُقلق مضاجع الكثير من المراقبين الذين يتخوفون من تأثيرات سلبية تلقي بظلالها على وظيفة الصحافة والإعلام فتتحول من وسيلة لتمليك الرأي العام معلومات وحقائق تمس مصالحه، إلى منصات مسيسة تستخدم مثل هذه المواد المسربة وتوظفها لإثارة المزيد من الصرع والتوتر والنزاع.
اختبار مهني:

وفي خضم حرب الكرامة التي أشعلت ثقابها ميليشيا الدعم السريع بتمردها على القوات المسلحة في الخامس عشر من أبريل 2023م، يرى متابعون أن الإعلام السوداني يقف على شفا حفرة من نار اختبار حقيقي يواجه مهنيته واستقلاليته، فبين الحاجة إلى الشفافية ومساءلة المسؤولين، وبين خطر استغلال التسريبات لإثارة الفتن وتأجيج الصراعات، يتوجب على الصحفيين والإعلاميين والمؤسسات التي ينضوون تحت لواءها التحلي بأقصى درجات الحذر والانضباط الأخلاقي، باعتبار أنه لا ينبغي للإعلام أن يكون طرفاً في صراعات النخب والكتل السياسية، وإنما تقع عليه مسؤولية أن يظل صوتاً للعقل والحقيقة، يوازن بين حق المجتمع في المعرفة، وواجب الحفاظ على وحدة وتماسك البلاد واستقرارها من خلال التصدي لحملات التضليل والشائعات، ووقف محاولات بث الفُرقة وإذكاء نار الصراعات.
غضب وتحذير:

ويقرُّ الخبير الإذاعي والكاتب الصحفي دكتور عبد العظيم عوض الأمين العام السابق للمجلس القومي للصحافة والمطبوعات بأحقية الصحفي في حماية مصادره التي ترفده بالأخبار والمعلومات، باعتبارها من الأعراف والتقاليد التي تزيّن بلاط الصحافة والإعلام، وأن صحفياً بلا مصادر فهو صحفيٌّ فاشل، وحذر دكتور عبد العظيم في إفادته للكرامة من مغبة لهث بعض الصحفيين والإعلاميين وراء “السبق ” والفوز بجائزة التميز المهني دون مراعاة لخطورة ما ينقله من أخبار ومعلومات على الأمن القومي، أو على تغذية بيئة الفتن وتأجيج الساحة السياسية لتكون حلبةً للتجاذبات، أو منصةً لتصفية الحسابات، وصبَّ الأمين العام السابق للمجلس القومي للصحافة والمطبوعات جام غضبه على المسؤولين الذين يسرَّبون معلومات لأهل الحظوة من الصحفيين الذين تربطهم بهؤلاء المسؤولين علاقات وروابط خاصة، وشدد دكتور عبد العظيم على ضرورة أن يخضع مثل هؤلاء المسؤولين إلى المساءلة عطفاً على التأثيرات السلبية لما يسرِّبونه من معلومات وأخبار على تماسك المشهد ولا سيما في ظل الأوضاع الحرجة التي يمر بها السودان جراء الحرب المستعرة.
خاتمة مهمة:
ومهما يكن من أمر، فإن المرحلة التي يمر بها السودان في الراهن الماثل، تتطلب إعلاماً وطنياً ملتزماً بقواعد وأخلاقيات المهنة، يُملي على قبيلة الصحافة والإعلام الإعلاميين، مسؤوليات جسيمة ومضاعفة تجاوز واجباتهم المهنية كشهود على الحرب وتداعياتها، إلى واجبات وطنية تجعل منهم صُنّاعاً للوعي، وجسراً للتواصل بين مكونات المجتمع، وحماةً للحوار والسلام الاجتماعي، وسفراء لوطن جريح ينشد الأمل في غدٍ أكثر تماسكاً وسلاماً وحريةً وعدالة.