الأعمدة

إشمعنى إسرائيل ؟!

كإنسان ، لا أفهم ترحيب الاتحاد الأوروبي بقرار محكمة العدل الدولية ، ولا معنى لترحيب بعض الدول العربية بالقرار، ولا جديد في موقف أسبانيا المساند لفلسطين ، ولا نتيجة متوقعة من ترحيب أيران وتركيا وسائر دول الأقليم .. كل الذي أفهمه أن القتل على الجرار ، والمجازر مستمرة، ولا وقف فوري لإطلاق النار.

 قرارات محكمة العدل ـ رغم الأهمية والتقديرـ ستدخل موسوعة القرارات الدولية الصادرة بحق إسرائيل منذ النشأة وإلى الآن، دون أن تعرف طريقها إلى التنفيذ والإلزام .. يكفى الإشارة إلى الفترة من عام 1967 إلى عام 1989، اتخذ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 131 قرارًا يعالج بنحو مباشر الصراع العربي الإسرائيلي، وكثير منها يتعلق بالفلسطينيين والمستوطنات غير الشرعية والجدار العازل وغيره.، بينما صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة نحو 191 قرارًا يدين إسرائيل ويطالبها إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية.

قرارات المحكمة الثلاث نصت على أن تتخذ إسرائيل الإجراءات اللازمة لتحسين الوضع الإنساني ، ووضع حد للقتل والدمار ، ومنع الإبادة الجماعية في قطاع غزة .. قرارات تسند المهمة الثلاثية لإسرائيل ذاتها ، ومجلس حربها بقيادة نتينياهو .. بالبلدي “اعطوا القط مفتاح الكرار” .

بالفعل ، لم يتأخر “القط” وأعلن خلال دقائق من انتهاء تلاوة المحكمة قرارتها أن اسرائيل ستستمر في الدفاع عن نفسها ، وأنها تخوض حربا عادلة وستواصلها حتى الانتصار المطلق، بينما رحب بعده المتحدث الرسمي للخارجية الإسرائيلية بالقرار، باعتباره أنه لم يأمر بوقف إطلاق النار .. أما وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن جفير ، “أيقونة” العنصرية الصهيونية ، فوصف محكمة العدل الدولية وقراراتها بغير الصادقة والمعادية لليهود ، وطالب باستمرار الحرب في قطاع غزة لتدمير ما قال إنهم “الأعداء” ، وفي تل أبيب ، دعت جماعات إسرائيلية للتظاهر ومنع دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة من خلال المعابر الإسرائيلية.

بدورها لم تتخل الولايات المحدة عن مهمتها في حراسة وتأمين “القط” حيث قال متحدث باسم الخارجية الأميركية بعد صدور القرار “ما زلنا نعتقد أن مزاعم الإبادة الجماعية لا أساس لها من الصحة و أن المحكمة لم تتوصل إلى قرار بشأن الإبادة الجماعية أو تدعو إلى وقف إطلاق النار .

وفوق كل ذلك ، منحت محكمة العدل الدولية (رغم التقدير) إسرائيل شهرا إضافيا لمواصلة القتل والتدير والحرمان ، حيث أمهلتها ثلاثين يوما لبيان الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل لتنفيذ قراراتها.. وقبل كل ذلك ، يشهر حارس “القط” سلاح الفيتو في مجلس الأمن لإجهاض أي محاولة لإثناء إسرائيل عن ما تفعله وتريد أن تفعله.. ثلاثين يوما في متوسط 180 شهيد يساوي ما يقترب من 6000 طفل وامرأة ورجل من أهل فلسطين ، ناهيك عن القتل اليومي في الضفة.

أعلى سقف لقرارات المحكمة يمكن أن يعري إسرائيل أمام القانون الدولي ، لكنه لم ولن يمنع آلة القتل والتدمير الصهيونية من مواصلة أعمالها في غزة ، ويكفى اعتراف وزيرة خارجية جنوب افريقيا بأن “ما نستطيع عمله هو مطالبة اسرائيل تنفيذ القانون الدولي”.

باختصار ، أمرت المحكمة إسرائيل باتخاذ تدابير فضفاضة لا موعد ولا توقيتات محددة لها ، ما يحول قراراتها (رغم أهميتها لاحقا) إلى مجرد “دفتر عزاء” في الشهداء الصاعدين إلى السماء خلال الثلاثين يوما القادمة . ولله الأمر من قبل ومن بعد.

ملحوظة أخيرة : العدل الدولية سبق وأن نصت في قرارها المتعلق بحرب أوكرانيا ، على ضرورة وقف إطلاق النار .. إشمعنى إسرائيل؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى