الأعمدة

لكل زمان لغة أغنياته.

بالامس ام العيال وانا ونحن نقلب في تسجيلات الاسافير المصورة بحثا عن اية اخبار عن مخرجات مفاوضات جدة.. فاذا باحد المغنيين الظرفاء يقفز الينا عبر شاشة الهاتف وهو يردد اغنية قال انها من تاليفه والحانه… وطفق يؤديها متصنعا الجدية في تبيان كلماتها التي تقول ( الكديس ختف اللحم..
والكلب وقع انصدم)
طبعا موجة الضحك الهستيري التي تملكتنا لم تتح لنا الفرصة لاكمال تلك الاغنية من معلقات شاعرها الظريف و والتمعن في درر موسيقاه الراقصة والاستمتاع بصوته الاجش الذي يخرج زاعقا مثل صياح الديك.. ولعله هو الٱخر يقصد الاشارة باسلوب كوميدي محبب الى ما وصلت اليه الاغنية في خضم عزوف الاجيال الحالية عن الطرب الاصيل كما نراه نحن من منظور زماننا الذي لن يعود بالطبع.
وهنا انبرت ام العيال في اطلاق ضحكات السخرية الممزوجة بضحكات الشماتة غمزا ولمزا على ما نبذله نحن ادعياء الرمانسية الشعرية و الروح الغنائية الهادفة الى ترقية الاذواق وهو ضرب من ضياع الوقت بلا طائل في هذا الزمان الذي تردى فيه مستوى الاستماع وانحدر من منطقة الرأڛ الى اخمص القدمين.. واننا كما قالت نبدد مخزون وجداننا في السهر وشد الشعر و كثرة فناجيل القهوة والشاي و اجهاد العقل و خسارة الورق و دلق المداد بحثا عن مقومات القصيدة الغنائية وغيرها من صنوف الشعر الفصيح والعامي بحثا عما يرضي ذائقة عشاق القريض الرصين والطرب الذي يهز الدواخل قبل الابدان!
طبعا هي اي ام العيال لا تقصد الاستخفاف بذلك الجهد بقدرما هي مشفقة على اجيال هذا الزمان الذين لا نلومهم بصورة مطلقة في ان انهم لايشبهون اجيال الامس لان لكل زمان لغة شعرائه على اختلاف مستوياتها ومدارسها ولا نعتب عليهم ايضا ان لم يطربوا لفننا الذي يرونه دقة قديمة بطيئة الايقاع على عكس زمانهم سريع الخطى خفيف العبارات مثل حركة الحياة التي تلاحق نفسها فتجعل مدار اليوم وكأنه اقل من اربع وعشرين ساعة.

واذكر أنني منذ عشر سنوات تقريبا.. قابلت مطربا شابا كان وقتها متسيدا الساحة وعرضت عليه نصا فصيحا ملحنا واقول صادقا ان الدكتور الراحل المقيم عبد الكريم الكابلي قد اجازه بعد ان تمعنه جيدا واشار علي ان اخص به ذلك المطرب الشاب حتى يستطيع ان يضيف ا ذلك الفتى الى عشاق فنه من الشباب جمهورا من الكبار الذين بتذوقون الكلمة الفصيحة.. واضاف استاذنا الكابلي انه هو شخصيا في بداية مسيرته قد جمع ما بين المدرستين الغنائيتن العامية الخفيفة والفصيحة الطويلة وئيدة الايقاع لإرضاء مختلف طبقات الاذواق والثقافات عبر الاجيال.

ولكن كانت المفاجاة ان المطرب الشاب سخر من ذلك العمل قبل ان يكمل الاستماع اليه.. معللا رفضه له بان لا يواكب ( السوق) الذي يسعي لنوعية غناء غير غناء الزمن الماضي!
ومن يومها اصبحت حذرا في السعي نحو الفنانين الشباب وعدم عرض اعمالي عليهم مباشرة و الإكتفاء بنشر اشعاري عبر الدواوين وصفحاتي بالشبكة العنكبوتية و لا اتردد في الاستجابة بكل السعادة لمن يطلب اي نص طالما اعجبه.
وقد اتت هذه الطريقة اكلها لانها تؤكد ان ترك الفرصة للعمل لكي يفرض نفسه هو الباب الانسب دون شك.
واصدقكم القول ان عددا من المطربين والملحنين تغنوا لي او لحنوا بعض اعمالي المتواضعة دون ان نلتقي وجها لوجه.. ولكنهم مشكورين اتصلوا ليستاذنونني في ذلك الامر.
والحمد لله كلهم من طبقة المغنيين رفيعي المقامات و الملحنين المجيدين.
و الشكر لله انهم ليسو من صنف صاحبنا الظريف.. صاحب معلقة الكديس الذي ختف اللحم.. فقام السيد الكلب
من شدة الحسرة قد انصدم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى